يحيي الناجون من الإبادة الجماعية للشعب الايزيدي اليوم (الإثنين) ذكرى مرور أربعة أعوام على الكارثة التي راح ضحيتها حوالي 10000 شخص. في 3 آب 2014، طلع الفجر على مدينة سنجار الايزيدية، جالبا معه قافلة من سيارات التندر من نوع تويوتا بيضاء اللون مرفوعا عليها الأعلام السوداء. اقتحم المجرمون الجهاديون التابعون لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش) البلدة الصحراوية الحارة، واقتحموا القرى المحيطة بها، وعند وصولهم بدأوا بالتدمير بشكل منهجي، وفق خطة مسبقة مبررة من التفسير المقدم في النصوص الإسلامية، لابناء الشعب اليزيدي.
وتم قتل الرجال، كبار السن وكبيرات السن – بينما تم اختطاف السيدات الشابات والفتيان والفتيات، من أجل استخدامهم كعبيد وجواري أو إعادة تربيتهم من جديد كمسلمين.
"بعد ست سنوات من غزو تنظيم الدولة الإسلامية لجبل سنجار ومنطقة سهل نينوى [في كردستان العراق، وهي منطقة في شمال العراق تتمتع بحكم ذاتي كردي معين]، تم في اطاره طرد أكثر من نصف مليون من الايزيديين، إلى جانبهم المسيحيين والشيعة ايضا، من بيوتهم ، فإن الجالية الايزيدية باتت في حالة يرثى لها". قال الباحث عيدان برير، زميل البحث في المنتدى للتفكير الإقليمي، الذي تناولت أطروحته للدكتوراه الهوية والثقافة الايزيدية.
"لا تزال منطقة سنجار مدمرة بالكامل تقريبًا والعودة المنظمة إلى معظم أجزائها تبدو غير ممكنة بسبب البنى التحتية المدمرة وصعوبات الوصول اليها. وأصبحت المنطقة أيضا مسرحا للمعارك المتجددة من وقت الى اخر بين القوات العراقية والقوات الكردية، سواء من منطقة الحكم الذاتي في شمال العراق او من منطقة الاكراد في شمال سوريا، الأمر الذي لا يضيف إلى الاستقرار والقدرة على إعادة بناء الجالية من جديد في المكان".
أين الايزيديون الذين فروا من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في حينه؟
"يعيش معظم الجالية الايزيدية في مخيمات النازحين في المنطقة الكردية في شمال العراق. بعد ما اعتُبر من قبل العديد من الايزيديين كخيانة كردية للايزيديين، فإن البقاء في المخيمات في المنطقة الكردية، تحت رعاية السلطات الكردية، هو إضافة صعوبة اضافية الى الصعوبات الاخرى. الى جانب ذلك، فان ظروف المعيشة الصعبة، سوية مع البنى التحتية للتربية والتعليم والرعاية الطبية السيئة، التي لا تسمح بحياة منتظمة، اضطر الكثيرون من ابناء الجالية الى البحث عن أية وسيلة للخروج من المخيمات، وانتقل الكثير منهم إلى السكن في شقق مستأجرة في القرى، وخاصة تلك التي تضم أغلبية ايزيدية أو مسيحية، في جميع أنحاء المنطقة الكردية وكثيرون آخرون – يقدرهم البعض بأكثر من 200 الف ايزيدي، جربوا حظهم في انتقال قانوني وغير قانوني إلى أوروبا".
هم يتوقعون أن يستوعبهم الأوروبيون؟
"يحاول الكثير منهم لم شمل عائلاتهم في ألمانيا ودول أوروبية أخرى، فيما يحاول آخرون الدخول الى أوروبا بواسطة طرق تهريب غير مشروعة و‘يعلقون‘ في مخيمات عبور مؤقتة في دول مثل تركيا، اليونان، بلغاريا وسلوفينيا.
اذن هل تم تدمير الجالية الايزيدية في وطنها؟
"أدى التشتت الكبير للايزيديين بعد الطرد في عام 2014 إلى سحق الجالية الايزيدية بشكل لا رجعة فيه: فمن بين حوالي نصف مليون ايزيدي شكلوا الجالية الكبيرة في سنجار، نجح حوالي 20 – 30 ألفًا فقط (وفقًا لتقديرات مختلفة) في السنوات الأخيرة من العودة إلى سنجار وإقامة حياة أساسية جدا، هدفها الأساسي التمسك بارض الوطن. ولا وجود حقيقي لنسيج حياة مجتمعي، كامل وحيوي. الجالية الايزيدية في شمال العراق، التي بلغ تعدادها عشية الغزو اكثر من 800 الف نسمة، تقلصت بحوالي الثلث في السنوات الست الأخيرة بسبب الهجرة الهائلة. من ناحية سياسية أصبحت الجالية من جهة جالية عدائية جدا تجاه السلطات الكردية ولكن بسبب فقدان جزء كبير من افرادها الذين هاجروا، وفقدت أيضًا قدرتها على المساومة السياسية وأصبحت راعيا سياسيًا لتلك السلطات على مضض. وهذه هي نفس السلطات التي يتهم الايزيديون الكثير من افرادها بالخيانة والتخلي.
ما هو وضع السيدات الايزيديات اللواتي تم خطفهن؟
"من بين أكثر من 8000 سيدة ايزيدية اللواتي تم اختطافهن واستعبادهن من قبل أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش)، لا تزال حوالي 2500 لا احد يعلم عن مكانهن وعن مصيرهن. خطف هؤلاء النساء واستعبادهن كان بمثابة صدمة كبيرة للجالية الايزيدية منذ بداية الاحداث في عام 2014، ولكن فقدان آثار اكثر من ربع هؤلاء النساء يواصل ادامة الصدمة الشديدة ويزيد الألم بشكل كبير.
في الوقت نفسه، تم استقبال النساء اللواتي عدن الى حضن الجالية، من قبلها بخطوة مثيرة للإعجاب من المرونة الرسمية للتقاليد اليزيدية التي لا تسمح بإعادة استقبال أبناء وبنات من الجالية الذين تركوها واعتنقوا لأنفسهم ديانة أخرى في الجالية، حتى لو كان ذلك قسرا".
"أصبحت السيدات محورًا للحفاظ على الصدمة القديمة: حالتهن النفسية الصعبة تتطلب عناية خاصة، وهذا الامر يعمل على الحفاظ على الجرح القديم. وفي الوقت نفسه، تُطرح أسئلة صعبة – أولاً وقبل كل شيء حول مسألة مصير الأطفال الذين أنجبتهن هؤلاء النساء في الاسر من أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش). وهذه إشكالية لا تزال تُشغل بال المؤسسة الدينية الايزيدية ورؤساء الجالية".
بدء الحديث عن إعادة ترميم من الإبادة الجماعية؟
"تحيي الجالية الايزيدية اليوم (3 آب) الذكرى السنوية السادسة لهجوم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش) غير الواضح مستقبله. وضمنت الهجرة الهائلة للايزيديين الذين نجحوا في إيجاد ملاذ أوروبي مستقبلي آمن لأنفسهم هم واولادهم، عملا وعيشا محترم نوعا ما. من جهة ثانية، يهدد الانقسام الجغرافي الوحدة والتماسك اللذين مكّنا بقاء الجالية في وطنها – رغم الصعوبات والتهديدات".
"إن الاختفاء الزاحف لجالية الوطن يعرّض جميع الإيزيديين لأفكار قاسية حول المستقبل المحتمل للجالية في واقع المنفى والتشتت، بالنظر إلى أن ليس لدى الجالية مؤسسات مهيمنة أو دين شرعي يمكن أن يكون بمثابة مادة لاصقة ناجعة تربط ابناء الجالية في الأماكن المختلفة هنا وهناك. ولم تواجه الجالية مطلقا خطرًا من هذا النوع وحتى الآن لم تتفرغ بعد للتفكير في المستقبل".
"حتى الآن، كان شغل معظم المنظمات الإيزيدية الشاغل في إحياء ذكرى الكارثة، في معالجة ضحاياها، في جمع التبرعات لإعادة تأهيل مناطق الإيزيديين او في محاولات، فاشلة وواهنة في الوقت الحالي، لاتخاذ إجراءات قانونية ضد افراد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش). وعلى ما يبدو أنه في السنوات القريبة، فان الانشغال بالواقع الجديد للجالية يحل مكان الانشغال بالجروح التي تفتحت في آب 2014 تدريجيا، ولا يمكن لأحد أن يضمن أن تأثير الواقع الجديد سيكون أقل اثارة للصدمة واقل خطورة من غزو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش)".