صوت ألعمال في إسرائيل
menu
يوم الأربعاء 24 نيسان 2024
histadrut
Created by rgb media Powered by Salamandra
ألأخبار

اقتصاد الكورونا / خمس نصائح من الاقتصادي جون ماينارد كينز للتعامل مع اقتصاد الفيروس

الشجاعة والوضوح وتقليص اللامساواة: في كتيب متواضع نشر عام 1940، قدم الاقتصادي العظيم خطة اقتصادية لتعامل بريطانيا مع اقتصاد الحرب العالمية الثانية | ماذا يمكن أن نتعلم منه اليوم؟

جون ماينارد كينز (تصوير: Bettmann / GettyImages، جرافيكا: إيديا)
جون ماينارد كينز (تصوير: Bettmann / GettyImages، جرافيكا: إيديا)
بقلم يونتن قيرشنبؤوم

في عام 1940، كان العالم مظلمًا بشكل خاص: اجتاح الجيش الألماني النازي أوروبا، وكانت الولايات المتحدة وروسيا بعيدة عن المشاركة في الحرب، ووقع عبء الحرب بأكمله على أكتاف بريطانيا المنعزلة، والتي قامت بإخلاء قواتها الأخيرة من أوروبا في عملية دنكرك. إلى جانب الحاجة إلى صياغة استراتيجية عسكرية، واجهت المملكة تحديًا اقتصاديًا هائلًا: كيف يمكن لدولة تضم 40 مليون دولة أن تحمل على أكتافها عبء حرب مع ألمانيا النازية القوية؟ في ذلك الوقت، كتب جون ميند كينز، أحد كبار الاقتصاديين في القرن العشرين، سلسلة من المقالات التي أصبحت كتابًا قصيرًا – "كيف ندفع ثمن الحرب؟"

كيف ندفع ثمن الحرب – غلاف الكتيب الذي نشره جون ماينارد كينز (من ويكيميديا ​)
كيف ندفع ثمن الحرب – غلاف الكتيب الذي نشره جون ماينارد كينز (من ويكيميديا ​)

 

على الرغم من التباين بين إسرائيل 2020 التي تحارب الكورونا وبريطانيا في عام 1940 التي حاربت النازيين، فإن بعض المنطق الذي قدمه كينز يمكن أن يكون مفيدًا اليوم أيضًا.
طُلب من بريطانيا في الحرب العالمية الثانية تكريس الكثير من مواردها لـ "آلة الحرب". على هذه الخلفية، كان كينز قلقًا بشكل خاص من ارتفاع الأسعار (التضخم)، وهو أقل صلة بالواقع الإسرائيلي، حيث ظل التضخم صفر لأكثر من عقد. كان نشاط التصنيع محدودًا ولا يمكن أن يتوسع بشكل كبير، والمعادلة القائلة بأن العمل الشاق يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع في مستوى المعيشة لم تكن صالحة. وبالرغم من ذلك، كان كينز على يقين من أنه من خلال عدة مبادئ لإدارة الأزمة، يمكن لبريطانيا هزيمة ألمانيا، وإنهاء الحرب دون ركود، وبمستويات أقل من عدم المساواة.

1. المطلوب: خطة واضحة وسريعة وجريئة

بينما نشر كينز مقترحاته، لم تصدر الحكومة البريطانية بعد خطة اقتصادية شاملة للتعامل مع الحرب في ألمانيا. دعا كتاب كينز الحكومة إلى تبني "خطة واضحة"، حتى لو لم تقبل جميع مقترحاته، بهدف منح يقين للجمهور والاقتصاد، والذي عرّفه كأمر ضروري لاجتياز الحرب. "تدرك قوات الأمن أن الطريق لإنهاء الحرب بأسرع ما يمكن هو التخطيط على المدى الطويل. سيكون من الخطأ اتباع افتراضات مختلفة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الاقتصادية – وهو أمر نقوم به الآن. على الجبهة الاقتصادية، لا نفتقر إلى الموارد فحسب، بل أيضا الى صفاء الذهن والجرأة"، كتب.
نشر كينز خطته بلغة إنجليزية بسيطة ولغة مفهومة حتى للأشخاص الذين ليس لديهم معرفة اقتصادية مسبقة. إضافة الى ذلك – تضم الخطة منطق أساسي واضح، ومنطق تنظيمي متماسك.

خطة واضحة وجريئة؟ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يقدم توجيهات اقتصادية، 16 مارس 2020 (يوناتان زيندل/ فلاش 90)
خطة واضحة وجريئة؟ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يقدم توجيهات اقتصادية، 16 مارس 2020 (يوناتان زيندل/ فلاش 90)

بعد مرور شهر على الكورونا، لم تنشر الحكومة الإسرائيلية حتى الآن خطة شاملة للتعامل مع الأزمة على المدى البعيد، بما في ذلك خطة خروج وتعافي. حقيقة أن الحكومة حتى الآن تأخرت في اتخاذ قرارات بشأن مساعدة المصالح التجارية، ونشرت قراراتها بشكل منفصل وليس كجزء من خطة كاملة، تضر بقدرة الاقتصاد الإسرائيلي على الصمود. قد يمنح نشر خطة واضحة، تتعامل مع أزمة الكورونا وكذلك الخروج منها على المدى البعيد، المصالح التجارية في إسرائيل القدرة على تخطيط خطواتها والمساعدة في الحفاظ على أكبر عدد ممكن من الوظائف في اليوم التالي.

2. تقسيم الأزمة إلى أجزاء – والتفكير في القوة الشرائية

اقترح كينز النظر في إدارة الاقتصاد من خلال مرحلتين – حتى نهاية الحرب، وبعد ذلك.
كانت القدرة الإنتاجية أثناء الحرب محدودة، وقد يؤدي ارتفاع الطلب إلى ارتفاع الأسعار. لذلك، قدم كينز شبه "مقارنة أجور" مؤقتة – بفرض مدخرات إلزامية على رواتب الموظفين، وسياسة سخية لمنح منح لإكمال الدخل لأولئك الذين لا يصل دخلهم إلى الحد الأدنى الذي حددته الحكومة. كان من المفترض أن يتم تسريح المدخرات فقط بعد الحرب، حينها ستقوم الحكومة بسداد الأموال التي وفرها العمال.
إن المبدأ الكامن وراء هذه السياسة هو إدارة ذكية للطلب: في الجزء الأول من الأزمة، حين يتعرض الاقتصاد لضغوط الحرب، ستضمن الدولة أن يستطيع جميع مواطنيها العيش بكرامة، بينما تمنع في الوقت نفسه ارتفاعات هائلة في الأسعار التي ستضر بالأضعف. في المقابل، في المرحلة الثانية، بعد هزيمة ألمانيا، يعود ملايين الجنود من الجبهة ويصبحون عاطلين عن العمل. في هذه المرحلة، هناك حاجة الى تحفيز الاقتصاد لتشجيع العمالة الكاملة، وستقوم الحكومة بتحفيز الاقتصاد من خلال الاستثمار من ميزانيتها، ومن خلال تسريح تلك المدخرات التي ستمكن الجمهور من إنفاق مبالغ كبيرة من المال في الاقتصاد في وقت قصير.

التغييرات في القوة الشرائية. سوق في مدينة الرملة. قبل وباء الكورونا وخلالها. (تصوير: موشي شاي / يوسي ألوني / فلاش 90 / جرافيكا: ايديا)
التغييرات في القوة الشرائية. سوق في مدينة الرملة. قبل وباء الكورونا وخلالها. (تصوير: موشي شاي / يوسي ألوني / فلاش 90 / جرافيكا: ايديا)

من الصعب التفكير في آلية مماثلة في إسرائيل خلال فترة الكورونا، ولكن من الممكن بالتأكيد تكرار المنطق الأساسي: يجب ضمان الأمن الاقتصادي الأساسي للناس ما دام الاقتصاد متجمدًا، حتى يتمكنوا من الامتثال لأحكام الإغلاق والمساهمة بنصيبهم في حال تمت مطالبتهم بذلك. لاحقًا، بالإضافة إلى خطة الخروج – يجب الاهتمام بأن يكون لدى الناس أموال في جيوبهم لإنعاش الاقتصاد مجددًا.

3. الأزمة هي أيضا فرصة لتقليص عدم المساواة

كان كينز ممثلاً مثاليًا للنخبة البريطانية في عصره. لذلك، كان موقفه الحازم بوجوب تبني بريطانية لسياسة تعزز المساواة الاجتماعية والاقتصادية حتى خلال الحرب الأكثر صعوبة في تاريخها، مفاجئًا. وكتب: "سيطلب من قادة الأمة الشجاعة ومرونة في التفكير وسط التعب وارتباك الحرب … لاستدعاء فرصة للمضي قدمًا أبعد من أي وقت مضى نحو تقليص عدم المساواة".
تتألف خطة زيادة المساواة الاقتصادية من خلال السياسة الاقتصادية للحرب من أربعة عناصر: سياسة رعاية اجتماعية سخية تضمن عدم معاناة أي شخص من الفقر، ورفع ضريبة الدخل تدريجيًا بأعلى مستوى من الضريبة الهامشية بنسبة 90٪، وخطة ادخار يتم فتحها بعد نهاية الحرب، وضريبة على رأس المال.
كانت خطة كينز هي استثمار الدولة لأموال المدخرات التي سيفرض على الجمهور استثمارها في السندات الحكومية، خلال الحرب، في النضال النازي. بعد الحرب، عندما يحين وقت سداد الأموال للعمال، ستقوم الدولة بذلك عن طريق فرض الضرائب على رأس المال ودخل رأس المال، حتى يتمكنوا في الواقع من تمويل المدخرات بواسطة تراكم رأس المال الفائض للأغنياء.
يبدو أننا في كورونا الإسرائيلية نقترب من الواقع المعاكس. أدى تآكل دخل العمال نتيجة لضعف تعويضات الدولة، إلى جانب تشجيع الاقتراض لاجتياز الأزمة، إلى تعميق عدم المساواة. إن طبيعة هذا النوع من الأزمات هي تقوية واقع ينجو فيه الأقوياء، ويتم التخلص من الضعيف. حتى الآن، لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية تدابير تهاجم بوضوح هذا المنطق.

4- الدولة تدير الحدث، وليس السوق

كان كينز اقتصاديًا ليبراليًا، آمن تمامًا بقوة السوق الحرة كأداة مركزية لإدارة الاقتصاد، لكنه أدرك أيضًا قيود السوق. وقال إنه بدون توجيه من قبل الدولة، يمكن للسوق الحرة أن تدخل بريطانيا في أزمة اقتصادية واجتماعية خطيرة. لذلك، رأى كينز أن الدولة هي الهيئة المسؤولة عن توجيه الاقتصاد أثناء الأزمات، بطريقة عقلانية ومخططة. وكتب "بعد تحديد عدد الموارد التي يجب إعادة توجيهها إلى الاستهلاك المدني، سيتعين علينا اتخاذ قرارات صعبة بشأن كيفية توزيع تلك الموارد بأكثر الطرق عقلانية وحكمة".
أثارت خطته معارضة شرسة بين مؤيدي السوق الحرة في عصره، الذين اعتبروا الزيادات في الضرائب، وفرض واجب التوفير وآليات مراقبة الأسعار التي اقترحها، تدخلًا صارخًا من الدولة في السوق الحرة. أدرك كينز أنه في حال امتناع الحكومة عن اتخاذ إجراءات، فقد يواجه الاقتصاد البريطاني كارثة.
تنبع مقترحات كينز من هذه النقطة على وجه التحديد – في أوقات الأزمات، يجب على الحكومة أن تظهر في الصورة وتدير الاقتصاد بشكل أفضل لصالح مواطنيها، وألا تترك عواقب الأزمة بيد السوق الحرة. طاردت كينز، إلى جانب العديد من الاقتصاديين الآخرين في عصره، ذاكرة ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، مستويات عدم المساواة الواضحة التي وضعت الأساس لصعود النازيين إلى السلطة. واعتقد بأنه في وقت أزمة الدولة، يجب أن تتولى الدولة عجلة القيادة، وأن يتم إدارة الاقتصاد بأفضل الطرق وأكثرها فعالية لصالح مواطنيها.

5. الشجاعة لتغيير سياسة اقتصادية

أوقات الأزمات هي أوقات اختبار للقيادة. أصر كينز على أن القيادة الاقتصادية البريطانية، حتى في وزارة المالية وقيادة النقابات العمالية، ستعترف بالحاجة إلى اعتماد سياسة اقتصادية ثورية يمكن أن تتعامل مع تحديات الساعة. تطلبت الحرب ضد النازيين من بريطانيا تخصيص موارد على نطاق غير مسبوق، وتعتمد قدرة بريطانيا على مواجهة التحدي على شجاعة القادة "لتجربة أدوات اقتصادية لم تجرّب بعد".

ماذا كان سيقول؟ كينز (تصوير: National Portrait Gallery: NPG x19133)
ماذا كان سيقول؟ كينز (تصوير: National Portrait Gallery: NPG x19133)

 

أزمة الكورونا تدعو تحديًا مشابهًا للقيادة الاقتصادية لإسرائيل. وللمرة الأولى، تم تعطيل أجزاء كبيرة من الاقتصاد، والتي ستنهار دون مساعدة من الدولة. يعيش مليون عامل في إسرائيل في منازلهم، ويعتمدون على إعانات البطالة، ولا يعرفون كيفية اجتياز فترة الأزمة، والكثير منهم غير متأكدين على الإطلاق من أنه سيكون لديهم عمل يعودون إليه عند انتهاء الأزمة. هذا هو الوقت المناسب تمامًا لتبني التدابير الاقتصادية التي لم يتم تجربتها في السابق، وإظهار شجاعة وقيادة اقتصادية خلال فترة صعبة.​

اشترك في النشرة الإخبارية الشهرية
من خلال التسجيل، أقرّ بقبول شروط استخدام الموقع