صوت ألعمال في إسرائيل
menu
يوم الأربعاء 24 نيسان 2024
histadrut
Created by rgb media Powered by Salamandra
ألأخبار

التطبيع مع السودان / ديكتاتورية عسكرية تشجع الإبادة الجماعية أم لاعب رئيسي في الاشتباك السياسي لأفريقيا والعالم العربي؟

اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والسودان التي أعلن عنها يوم الجمعة (10\23) رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، تطرح تساؤلات حول احدى الدول الكبيرة في افريقيا التي دعمت الإرهاب في الماضي ودعمت المقاطعة العربية لاسرائيل | "دولة ذات أهمية جيو – استراتيجية كبيرة"، يقول الدكتور حاييم كورن، المختص في تاريخ المنطقة

مواطنون سودانيون يحتفلون في شوارع العاصمة الخرطوم بالاتفاق الذي تم إنجازه بين قادة المعارضة والاتحادات المهنية وبين الحكومة الانتقالية المؤقتة، 5 تموز/ يوليو 2019. (تصوير: AP)
مواطنون سودانيون يحتفلون في شوارع العاصمة الخرطوم بالاتفاق الذي تم إنجازه بين قادة المعارضة والاتحادات المهنية وبين الحكومة الانتقالية المؤقتة، 5 تموز/ يوليو 2019. (تصوير: AP)
بقلم اوريئيل ليفي

"مصلحة السودان الواضحة في إقامة علاقات مع إسرائيل هي قبولها في المجتمع الأممي"، يوضح لـ ‘دڤر‘ الدبلوماسي الدكتور حاييم كورن الذي كتب أطروحة الدكتوراة الخاصة به حول الأسلمة في دارفور، ويضيف: "السودان هي دولة ‘مجذومة‘ منذ ما يقارب – 30 عاما. فهي الدولة الوحيدة التي دعمت على الملأ المنظمات السنية المتطرفة مثل القاعدة والاخوان المسلمين من جهة واحدة، وايران الشيعية من الجهة الأخرى. وقد أدخلتها الأمم المتحدة الى قائمة الدول الداعمة للإرهاب عام 1993، وهكذا فعلت أيضا الولايات المتحدة الأمريكية. بعد العمليات الهجومية التي نفذتها القاعدة على سفارات الولايات المتحدة الأمريكية في كينيا وتنزانيا في عام – 1998، منحت السودان اللجوء لقادة القاعدة. وهذا ما أدى الى تفاقم العقوبات ضدها. الإبادة الجماعية التي نفذها النظام في الخرطوم، سوية مع ميليشيات عربية التي تسمى ‘جينجاويد‘، ابتداء من عام 2003 زادت من عزلتها الدولية. كانت السودان حليفا هاما لإيران. وكانت بمثابة بوابة لها الى افريقيا وسمحت لها بنقل أسلحة عن طريقها (الى حماس في قطاع غزة – اوريئيل ليفي) التي قامت إسرائيل بقصفها عدة مرات بحسب ما نشرته وسائل اعلام اجنبية".
اذن كيف نوقّع نحن معهم على اتفاقيات؟
في عام 2016، كان هناك تحول كبير وانتهى كل هذا. أدركت السلطة في الخرطوم أن هذا الدعم لإيران والمنظمات الإرهابية يضرها أكثر بكثير مما يساعدها. استثمرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الكثير من الأموال وفي مقابل ذلك قطعت السودان علاقاتها مع إيران. وغيّر ذلك الخريطة الجيو – سياسية الإقليمية ".

الدكتور حاييم كورن (تصوير: "معهد دراسات الشرق الأوسط والبلقان" بلوبليانه، سلوفينيا)
الدكتور حاييم كورن (تصوير: "معهد دراسات الشرق الأوسط والبلقان" بلوبليانه، سلوفينيا)

وما هي مصلحة إسرائيل؟
"هذه دولة ذات أهمية جيو – استراتيجية كبيرة. افتح الخريطة وانظر. دولة كبيرة بحجمها". يعيش كورين تاريخ السودان وهو ضليع بالتفاصيل الكبيرة والصغيرة. يقول إن الكيان السياسي الذي نعرفه اليوم كالسودان كان يغطي في الماضي مساحات شاسعة في وسط إفريقيا، وفقط في القرن الـ – 20 تم تقليصها إلى حدودها التي نعرفها اليوم بما في ذلك جنوب السودان، الذي حصل على استقلاله في عام 2011، ودارفور، مملكة غرب السودان القديمة التي تم احتلالها من قبل بريطانيا في فترة الحرب العالمية الأولى. يقول كورن: "من الصعب فهم حجم هذه الدولة على الإطلاق". ويضيف: "حجم جنوب السودان وحده يساوي حجم فرنسا، أكبر دولة في أوروبا. والسودان نفسها، ضمن حدودها الحالية، يقترب من – 2 مليون كيلومتر مربع. أي تقريبا 100 ضعف مساحة إسرائيل".
ماذا يمكن ان تكون احتمالات الاتفاقيات؟
"يوجد في السودان موارد طبيعية كثيرة، بما في ذلك النفط. فيها مدينة ذات ميناء هام – بور سودان – التي تقع مقابل مكة وجدة تماما من الجهة الأخرى للبحر الأحمر. ستتيح الاتفاقية لإسرائيل استخدام مجالها الجوي الواسع الآمن، الامر الذي يقصر الرحلات الجوية الى أمريكا الجنوبية. بالإضافة الى ذلك يوجد هنا ارض خصبة للعمل في مجالات الزراعة، الطاقة وفي فروع صناعة التكنولوجيا".

هل كانت لنا علاقات معهم في الماضي؟
"في العقود الأخيرة كانت إسرائيل حليفا رئيسيا لجنوب السودان، ويرجع ذلك من بين ما يرجع اليه إلى عداء الخرطوم. كانت منطقة النيل التي تعبر السودان في السابق ذات أهمية زراعية لكل الشرق الأوسط. في إسرائيل أيضًا تم استيراد الابقار من السودان. بشكل عام، كانت للبلدة العبرية في البلاد علاقات حميمة مع السودانيين. تطورت العداوة فقط بعد قيام الدولة. ترتبط الخرطوم كثيرا بالقاهرة. طالب المصريون السودانيين بالقتال إلى جانبهم في إسرائيل وزاد من صحة ذلك مع صعود عبد الناصر الذي جر وراءه كل العرب بفكرة القومية العربية في سنوات الستينات".

سيدات ينتظرون في الطابور لتوزيع الغذاء، جوبا، جنوب السودان (تصوير: سفارة إسرائيل في جنوب السودان)
سيدات ينتظرون في الطابور لتوزيع الغذاء، جوبا، جنوب السودان (تصوير: سفارة إسرائيل في جنوب السودان)

اذن ماذا كانت وظيفة السودان في هذا؟
في شهر آب/ أغسطس 1967، بعد الهزيمة العربية في حرب الأيام الستة، استضافت السودان مؤتمر الخرطوم الذي تقررت فيه اللاءات الثلاثة: ‘لا للاعتراف بإسرائيل، لا لإجراء مفاوضات مع إسرائيل ولا لعقد سلام مع إسرائيل‘، الأسس التي وجهت دولا عربية ومسلمة كثيرة على مدار عشرات السنين، وقسم منها حتى اليوم. في نفس الوقت تمردت القبائل في جنوب السودان. وقد اتصلت بإسرائيل، امتثلنا لطلبهم وقمنا بتقديم المساعدة لهم على مدار سنوات طويلة، حتى حصلوا على الاستقلال في عام 2011". بعد الإعلان عن استقلال جنوب السودان تم تعيين كورن ليكون السفير الأول لإسرائيل في الدولة، وبعد ذلك كان السفير في مصر ومحاضرا حتى اليوم في المركز متعدد المجالات في هرتسليا.

من غير الأمريكيين دفع للسلام مع إسرائيل؟
"من يشجع السودان على التقرب من إسرائيل هي الامارات العربية المتحدة، مصر والمملكة العربية السعودية. يجب التذكير ان السودان ابتعدت عن ايران في السنوات الأخيرة، وهي الآن لا تسمح بنقل وسائل قتالية الى قطاع غزة من أراضيها. كذلك علاقات السودان مع تركيا وقطر واجهت طريقا مسدودا، وذلك بعد ان استثمرت الاثنتان الكثير من الأموال هناك. وسبب ذلك هو تدخل ميليشيات الجينجاويد في الحرب في ليبيا. فهي تقاتل الى جانب الجنرال حفتر، الذي يحظى بدعم مصر وروسيا، ضد نظام الحكم في طرابلس المدعوم من تركيا وقطر. اتخذ السودان جانبًا مهمًا في هذه الحرب، وهو الجانب الأقرب إلى إسرائيل".

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان، عبد الفتاح برهان (من اليمين) مع رئيس اريتريا اسايس افورقي، في المطار في عاصمة السودان. تصوير: (AP Photo / Marwan Ali)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان، عبد الفتاح برهان (من اليمين) مع رئيس اريتريا اسايس افورقي، في المطار في عاصمة السودان. تصوير: (AP Photo / Marwan Ali)

ماذا سيحدث مع اللاجئين السودانيين في إسرائيل؟
أنا أقدّر بالحذر المطلوب أن حكومة إسرائيل ستوقّع على اتفاقية سلام مع الحكومة في الخرطوم، هذه الاتفاقية ستسمح بإعادة اللاجئين الى موطنهم، وقد تضمن سلامتهم أيضا".
هل السودان مستقرة أم أن هناك حربا أهلية؟
السلطة في الخرطوم – الموجودة في أيدي سودانيين مسلمين – سنيين، الذين يعرّفون عن انفسهم انهم عرب – تتحكم بمئات القبائل والمجموعات العرقية، الذين يتحدثون عشرات اللغات المختلفة، بقايا اديان مختلفة تمزج في داخلها خصائص مختلفة. كل هذه القبائل لا تتدبر امورها مع بعضها البعض. فهم مختلفون جميعا الواحدة عن الأخرى وليس لديها تقريبا أي امر مشترك بينها. الإسلام الصوفي على سبيل المثال، انتشر هناك كالنار في الهشيم لان مبادئه تلائم القبائل الافريقية التي عاشت في جميع أنحاء البلاد.
مع ذلك، فهو يعارض إسلام النخب الحضرية، والإسلام الراديكالي الذي يعتبر السودان من البلدان التي نشأ فيها. جزء كبير من سكان الجنوب هم من المسيحيين، وبالطبع فإن الكثير من السودانيين هم إلى هذه الدرجة أو الى درجة أخرى روحانيون (عبدة الأوثان – اوريئيل ليفي). هذه مجموعة من السكان لا يمكن السيطرة عليها من قبل الخرطوم. هذا مستحيل. إذن نعم، كانت هناك حروب أهلية متتالية إلى حد ما منذ حصول السودان على الاستقلال، واستُبدل النظام بانقلابات عسكرية".

مواطنات سودانيات يحتفلن في شوارع العاصمة الخرطوم بالاتفاقية التي أنجزت بين قادة المعارضة والاتحادات المهنية وبين الحكومة الانتقالية المؤقتة، 5 تموز/ يوليو 2019. (تصوير: AP)
مواطنات سودانيات يحتفلن في شوارع العاصمة الخرطوم بالاتفاقية التي أنجزت بين قادة المعارضة والاتحادات المهنية وبين الحكومة الانتقالية المؤقتة، 5 تموز/ يوليو 2019. (تصوير: AP)

هل هناك إبادة جماعية؟
"اعتادت السلطة في العقود الأخيرة على استبعاد سكان النواحي وتعامل القبائل التي لا تسير تحت حكمها بالجفاء. وعندما أقول تستبعد فالمقصود بسيط: لم يشقوا الشوارع، لم يبنوا مؤسسات عامة، لا يوجد تعليم، لا يوجد طب – لا شيء. وعندما أقول معاملة بجفاء اذن انا أعني تسليح الميليشيات العربية التي ذبحت قرى كاملة، أحرقت الأكواخ، اغتصبت النساء، اختطفت، داست ونهبت، كل ذلك في الوقت الذي قدم الجيش السوداني لها غطاء بالقصف الجوي ونيران المدفعية. رأينا ذلك في دارفور في غرب السودان، وفي جنوب السودان. بعد أن اعلنت جنوب السودان عن استقلالها، تواصلت هذه الظواهر من الإبادة الجماعية في الأجزاء الجنوبية من شمال السودان – في منطقة جبال النوبة في جنوب كوردفان وفي منطقة النيل الأزرق. استمر كل هذا حتى قبل حوالي عام حيث وقع انقلاب هناك وسُجن الديكتاتور عمر البشير. الآن الأمر أكثر تعقيدًا بعض الشيء …".
هل ما زالت الحكومة الانتقالية تطارد القبائل في دارفور وفي جبال النوبة؟
"في بداية الشهر وقّعت الحكومة الانتقالية السودانية على اتفاقية سلام مع قادة المتمردين في دارفور الا ان منظمتين متمردتين رئيسيتين، ربما اكثرها أهمية، لم توقّعا على الاتفاقية واعلنتا انهما تنتظران لتريا كيف ستتطور الأمور. منظمة واحدة تمثل سكان جبال النوبة وتسمى SPLM-N ومنظمة ثانية تمثل سكان دارفور أبناء قبيلة الفور وتسمى SLM-AW. استمر العنف في جنوب السودان وفي دارفور على الرغم من أنه محدود بشكل أكبر حيث تتشكل الحكومة من عناصر ذات مصالح متضاربة. فمن جهة، هناك رجال الرئيس المخلوع البشير، الذين قسم منهم قاد ميليشيات الجينجاويد التي استخدمتها الحكومة في الإبادة الجماعية في دارفور، ومن جهة أخرى هناك مدنيون يمثلون الشعب. ويتصادمون فيما بينهم فيما يتعلق بالعديد من القضايا الهامة من بينها هل يتم تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي كما يطالب المجتمع الدولي، او أن تتم محاكمته في السودان. بعض قادة الجينجاويد، برئاسة الجنرال حميدتي، هم أصحاب قوة سياسية في الحكومة الانتقالية، وذلك على الرغم من تورطهم في الإبادة الجماعية".

رئيس السودان المخلوع عمر البشير (تصوير: وكالة AP).
رئيس السودان المخلوع عمر البشير (تصوير: وكالة AP).

هل الحكومة الانتقالية موجودة في صراعات داخلية في مواضيع إضافية؟
"منذ الإطاحة بالبشير تدور في السودان صراعات على مستويات مختلفة. على المستوى الداخلي – السياسي يدور صراع بين الجيش الذي يريد الاحتفاظ بالسلطة بيديه وبين عناصر مدنية التي تتعاطف مع المتظاهرين وتسعى إلى إقامة نظام ديمقراطي -مدني. كما تجد الحكومة المشتركة التي تم تشكيلها صعوبة في سد الفجوات. الصراع الثاني يدور على المستوى الإقليمي ويدور حول قضية الدعم الذي تقدمه المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة ومصر للنظام العسكري. وتسعى هذه الدول الى استقرار وترتيب النظام السياسي في السودان ما بعد البشير ومنع تزايد قوة الإسلام السياسي او قوة عناصر أخرى التي تعارض مصالحها. مع ذلك، يرى المتظاهرون في تدخل هذه الدول في شؤون السودان على أنه تدخل أجنبي وسلبي. الصدام بين هذه الصراعات لا يهدأ. على الرغم من التقدم الذي أحرز في الاتصالات بين النخبة العسكرية وممثلي المدنيين وعلى الرغم من الاتفاق الموقع بينهما، والذي بموجبه تم تعيين رئيس وزراء مدني والاتفاق على موعد لإجراء انتخابات ديمقراطية، فليس من الواضح ما إذا كان الاتفاق سيصمد ام لا".
مع ذلك ما هو احتمال ان يصمد؟
" يبقي الدعم الدولي للاتفاقية الأمل في تغيير الخط السياسي السائد حتى الآن وتحسين حياة المواطنين. على ما يبدو، فان هذا الأمر سيستغرق عملية طويلة ومعقدة من أجل تحقيق مزيد من الاستقرار في السودان والتعامل مع مشاكلها الداخلية. إن مغزى الأحداث الجارية في السودان تتجاوز حدودها ويهدف تدخل قوى إقليمية ومحافل دولية إلى لعب دور في تشكيل مستقبلها".

اشترك في النشرة الإخبارية الشهرية
من خلال التسجيل، أقرّ بقبول شروط استخدام الموقع