صوت ألعمال في إسرائيل
menu
يوم الجمعة 19 نيسان 2024
histadrut
Created by rgb media Powered by Salamandra
ألأخبار

تحليل / الأيام الـ 100 لجو بايدن: البرامج التي يمكنها أن تغيّر العالم

شعبية ترامب اثبتت أن الأسلوب الاقتصادي مكسور | إدارة بايدن تحاول تصحيحه، وإظهار أن الأفكار التي يطرحها اليسار الاشتراكي الديمقراطي، هي الحل للقرن الـ - 21

كريستين الفارنو وابنتها جوليا كرامب تشاهدان جو بايدن في طريقه إلى القداس في الكنيسة الكاثوليكية في صباح يوم أداء القسم. (تصوير: Jacquelyn Martin / AP Photo)
كريستين الفارنو وابنتها جوليا كرامب تشاهدان جو بايدن في طريقه إلى القداس في الكنيسة الكاثوليكية في صباح يوم أداء القسم. (تصوير: Jacquelyn Martin / AP Photo)
بقلم طال كسفين

أجرة الحد الأدنى الفيدرالية لم ترتفع عن – 15 دولارا، الإصلاحات الكبيرة لا تزال بعيدة عن المصادقة، والوضع السياسي يضغط، ومع ذلك، فان الـ 100 يوم الأولى لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن قد تشير إلى إصلاح تاريخي في المسار الذي تسير فيه الولايات المتحدة الأمريكية، وربما العالم كله.

وعد ترامب

من يراقب النظام العالمي الليبرالي الجديد (النيو ليبرالي)، لا يمكن أن يكون لا مبالي للظاهرة التي تسمى دونالد ترامب. الرئيس الملياردير الذي تنكّر لمشكلة المناخ، سخر من الأقليات، استخدم تعابير عنصرية ومكيفة هو جانب الظل للعملية الإقتصادية التي صممت اقتصاد العالم في العقود الأخيرة.

رئيس الولايات المتحدة الأمريكية  السابق دونالد ترامب (تصوير: AP / Brynn Anderson)
رئيس الولايات المتحدة الأمريكية  السابق دونالد ترامب (تصوير: AP / Brynn Anderson)

التعاطف مع ترامب ناجم، على الأقل في جزء منه، عن أنه عبّر عن نفاق العولمة الرأسمالية، تحت غطاء من الحوار المتقدم من "التقدم" و "الحقوق" الذي أدى إلى فلتان، إلى فجوات ضخمة، أنشأ نخبة مالية تزداد ثراء إلى جانب جماهير وجدوا أنفسهم خارج اللعبة الإقتصادية.

هناك من عرّف تصوره الحقيقي كـ "المذهب الانطباعي"، فالأمور التي قالها ربما أنها غير دقيقة من ناحية واقعية، إلا أنها تبدو لمناصريه صحيحة أكثر من الواقع الذي توسط لهم من قبل النخبة. ترامب وصل إلى السلطة بدعم من مَن سلب العولمة والطبقة الوسطى المتدهورة من حزام الصدأ، إلا أنه لم يوفر البضاعة . وحينها وصل بايدن.

سليبي (النائم) جو يستيقظ

خلال حملة الإنتخابات وصف ترامب خصمه بـ "سليبي جو"، بايدن النائم، وصف وجد مؤيدو الحزب الديمقراطي أيضا صعوبة في رفضه على الإطلاق. خلافا لترامب النشيط والديناميكي، بدا بايدن مثل صورة نمطية لسياسي من النوع القديم: مؤسساتي، صلب، بطيء وممل بعض الشيء. ميزته الكبرى كانت أنه ليس ترامب، ورأى كثيرون في انتخابه للرئاسة كاستفتاء شعبي ضد الرئيس الحالي.

الرئيس جو بايدن، في البيت الأبيض. (تصوير: AP / Evan Vucci)
الرئيس جو بايدن، في البيت الأبيض. (تصوير: AP / Evan Vucci)

إلا أن الـ 100 يوم الأولى لبايدن كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية بعيدة جدا عن النعاس . فبالاضافة إلى النجاح في الإدارة الإدارية لمكافحة الوباء (الذي وضع أسسه عمليا ترامب)، مرر بايدن رزمة مساعدات كبيرة بسرعة وعلى الرغم من معارضة الجمهوريين، وبدأ يدفع بشكل جدي في سلسلة تغييرات التي من المفروض أن تُحدث ثورة في اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية.

قام بايدن بتعيين جانيت يلين، محافظة البنك الاحتياط الفيدرالي سابقا، في وظيفة وزيرة المالية، وفي قمة مجلسه الوزاري المصغر (كابينيت) الاقتصادي قام بتعيين سلسلة من المستشارين الموهوبين من المنطقة اليسرى من الخارطة. في فترة قصيرة صادق بايدن على برنامج حوافز بقيمة 1.9 تريليون دولار، وعرض سلسلة برامج اقتصادية: استثمار تريليونات الدولارات في البنى التحتية المادية للولايات المتحدة الأمريكية، توسيع منظومة الرفاه، رزمة قوانين لصالح النقابات المهنية، انتقال الولايات المتحدة الأمريكية إلى الطاقات الخضراء، زيادة الضرائب على الشركات وعلى كبار الأغنياء، مكافحة عالمية ضد ملاذات الضريبة والتهرب من دفع ضرائب الشركات، وغيرها.

سيل من الخطوات البيئية، الإجتماعية والإقتصادية، من الأكثر تطورا التي عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية في العقود الأخيرة.

عصر الـ "بايدنوميكس" (سياسات بايدن الإقتصادية)

مجموعة تحركاتهم وكثافتهم تؤدي بالكثير في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن يتحدثوا عن بايدن بمصطلحات التي سيتذكرها كل من يستطيع أن يكون رئيسا على مدار أجيال. قسم منهم يتطرقون إلى نهاية عصر الـ "ريغانية" (سياسات ريغان الإقتصادية)، ويتحدثون عن فترة الـ "بايدنوميكس" (سياسات بايدن الإقتصادية) ، الفترة التي تأتي بعد الليرالية الجديدة (النيو ليبرالية).

من السابق لأوانه التحدث عن ثورة، إلا أن تحليلا مثيرا للأفكار التي تقودها إدارة بايدن، الـ "بايدنوميكس" (سياسات بايدن الإقتصادية) ، يمكن أن تجده لدى نوح سميث، كاتب مقالات في بلومبيرغ. ووفقا لسميث، فان في خطة بايدن ثلاثة مركّبات رئيسية: تسهيلات إقتصادية مباشرة، استثمار في أعمال علاجية، واستثمار في بنى تحتية تكنولوجية ومادية (مع التشديد على الانتقال إلى الطاقة الخضراء والمحافظة على الميزة التنافسية للولايات المتحدة الأمريكية في مجالات البحث والتطوير).

وزيرة مالية الولايات المتحدة الأمريكية جانيت يلين (تصوير: AP Photo / Andrew Harnik)
وزيرة مالية الولايات المتحدة الأمريكية جانيت يلين (تصوير: AP Photo / Andrew Harnik)

وهكذا، يدعي سميث، أن بايدن ينشئ اقتصادا ‘ثنائي المسار‘: من جهة واحدة فهو يقوي الميزة التنافسية للولايات المتحدة الأمريكية كقوة صناعية متطورة، ما يخلق وظائف بأجور عالية لعمال مهرة. ولكن من خلال الإعتراف بأن ليس جميعهم سيندمجون في هذه الصناعة، على وجه الخصوص على خلفية عمليات الأتمتة ، يستثمر بايدن ايضا في ‘اقتصاد الرعاية‘ (التربية والتعليم، التمريض، الصحة والاهتمام بالمجتمع). القطاع المنتج يحسّن إنتاجيته، والاقتصاد الداخلي، سوية مع تسهيلات نقدية مثل مخصصات للأطفال، يتم توزيع الثروة بشكل متساوي أكثر.

سوية مع خلق اقتصاد أخضر، يمكن لخطة بايدن أن تلائم المجتمع الأمريكي مع التغييرات التي تحدث في القرن الـ – 21. للدولة توجد وظيفة رئيسية في قيادة التغيير: ليس كمنظمة فقط، بل كرائدة، مبادرة وموجهة في السوق الليبرالي الجديد (النيو ليبرالي).

يجب تصحيح العولمة

مركّب إضافي الذي تم كشفه في الآونة الأخيرة في طريق بايدن هو إعادة تصميم العولمة من جديد، بشكل يصحح جزءا من الأضرار التي وقعت في العقود الأخيرة. خطة يلين في خلق تعاون دولي في موضوع ضريبة الشركات ذات الأهمية ليس فقط بسبب الدخل الذي تحققه للدول، وإنما بسبب مجرد القرار بخلق تعاون دولي الذي يمنح وزنا ضد حركة رأس المال العالمي.

الرئيس جو بايدن وعمال مصنع في الولايات المتحدة الأمريكية (تصوير: REUTERS / Mark Makela)
الرئيس جو بايدن وعمال مصنع في الولايات المتحدة الأمريكية (تصوير: REUTERS / Mark Makela)

إلى جانب ضرائب الشركات الضخمة، تتواصل الخطوات التي بدأت في فترة إدارة ترامب، وهي من بين الأمور الوحيدة التي يتفق عليها الديمقراطيون والجمهوريون في الكونغرس: زيادة التنظيم على شركات تكنولوجيا المعلومات الكبرى. في السنوات القريبة من المتوقع موجة جديدة من القوانين ضد المركزية في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي من المتوقع أن يثير حربا قاسية ضد الشركات الأكثر ربحا في العالم.

على عكس بعض التوقعات، لم يهمل بايدن الحرب التجارية مع الصين ، وذلك بسبب المصالح الحيوية الكامنة فيها للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في كل ما يتعلق بالصناعة المتطورة. من الناحية الأخرى، شدد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية على التعاون خارج الحدود في موضوع المناخ والاحتباس الحراري للكرة الأرضية، وهو تغيير حاد في سياسة ترامب الذي انسحب من اتفاقيات باريس.

عدم استقرار التاريخ

من المغري محاولة بناء نظرية اجتماعية شاملة عن انتخاب بايدن، لكن من المهم أن نذكر أنه فاز في الإنتخابات الأخيرة، كمن سبقه في المنصب، بفارق نسب مئوية وكسور من النسب المئوية. فارق بين 60 – 70 ألف صوت فقط منح الديمقراطيين الفوز في مجلس الشيوخ ، الذي لولاه لكانوا مشلولين من الناحية السياسية. ترامب حظي بدعم كبير في الولايات المتحدة الأمريكية، وربما في ظروف أخرى (التي على رأسها تفشي الكورونا)، كان هو الذي يقود اليوم الولايات المتحدة الأمريكية.

يجب التحفظ والقول، أنه سوية مع حجمها وكبرها، فان البرامج التي عرضها بايدن هي فقط جزء صغير من الإستثمار المطلوب من اجل فطم الولايات المتحدة الأمريكية عن الكربون، ومن ما هو مطلوب من أجل إصلاح البنى التحتية المادية والإجتماعية الخاصة بها. حتى بعد زيادة ضريبة الشركات، فإنها ستبقى متدنية بمقارنة تاريخية. وفوق كل هذا وذاك، فإن بايدن سيجد صعوبة كبيرة في تنفيذ جميع برامجه. للرئيس توجد أغلبية صغيرة في الكونغرس، ومن الممكن جدا أن يفقدها أيضا في الإنتخابات النصفية في عام – 2022.

إلا أن إدارة بايدن هي ليست كل القصة. التغييرات التي تبدو اليوم في البيت الأبيض، هي ثمرة اتجاهات في داخل اليسار الأمريكي. اليسار الديمقراطي هو نفسه الذي قاد على مدار سنوات العمليات الليبرالية الجديدة ( النيو ليبرالية) بنفسه، وتحوّل إلى نسخة مشوهة السمعة من التنوير المنافق والمنفصل، التي تفضّل الهوية، وتتجاهل المكانة وتطمح إلى الحفاظ على النظام القائم.

يسار الوول ستريت، الأوساط الأكاديمية والهوليوود، الذي كان رمزا للنخبوية والعولمة، تغيّر. في الوقت الحالي على ما يبدو لديه ايضا برنامج اقتصادي اجتماعي. وأكثر من ذلك: أن لديه برنامجا لتصحيح العالم في القرن الـ – 21.

هذه الخطط تكشف التغييرات العميقة التي مرت على اليسار الإقتصادي الإجتماعي في العالم ما بعد أزمة 2008. وعلى الرغم من أن إنهيار الإقتصاد لم يؤدي إلى تصحيح الرأسمالية ، إلا أنه حرّك عدة عمليات لإعادة فحص عدد من بديهياتها من جديد. ثمار هذه العملية بدأت تنكشف الآن. نقابات العمال، القطاع العام، الاستثمارات، التربية والتعليم والرفاه، المفاهيم التأسيسية لليسار الإشتراكي الديمقراطي التي تم دفعها إلى الزاوية، تبين أنها حيوية للقرن الـ – 21. ترامب رفع الوعي للمشكلة، والتي حتى إدارة اوباما الموقرة أيضا لم تصححها بل وكانت جزءا منها. إدارة بايدن ، بدأت بالمحاولة في ايجاد حلول.

اشترك في النشرة الإخبارية الشهرية
من خلال التسجيل، أقرّ بقبول شروط استخدام الموقع