إشارات على ليلة غضب لا تزال حتى الآن منتشرة في شوارع عكا، في شوارع مدينتي. في الشوارع التي أسير فيها مع أطفالي إلى الروضة وإلى المدرسة. سيارة محروقة، إشارات مرور تم إسقاطها، أرصفة مهجورة، محطة باص تم تحطيمها.
في الساعة – 6:00 صباحا لا تزال الحاويات مشتعلة. في الساعة – 8:00، يوجد عمليا هناك من يعملون بنشاط من أجل إعادة الحياة إلى مجاريها. عمال قطار إسرائيل يصلحون الإشارة الضوئية التي تم إضرام النار فيها من أجل إتاحة السفر شمالا إلى نهاريا.
عمال البلدية يقومون بإخلاء النفايات ويعيدون إشارة المرور إلى مكانها، يغسلون الشوارع من البلاستيك المحروق الذي التصق على الأرصفة. الرائحة القوية التي تملأ الشوارع ما من وسيلة لكيف يتم تنظيفها. ستتبدد مع الوقت.
يقف طاقم تصوير إلى جانب سيارة مفحّمة، يبث إلى العالم باللغة الإنجليزية ما يحدث في شوارعنا. أنا أتذكر صورا من أعمال الشغب التي اندلعت في الولايات المتحدة الأمريكية بعد مقتل جورج فلويد من قبل شرطي. عندنا يوجد معلم واحد الذي خرج ليفحص أن طلابه آمنين والآن هو يرقد تحت تأثير التخدير وموصول بجهاز التنفس الاصطناعي في المستشفى.
كما نظرت إليهم عن بُعد، هكذا الآن هم ينظرون إلينا. نحن نحاول فك رموز منظومة التدمير الذاتي هذه التي تقود الإنسان إلى التصرف هكذا.
في زوايا الشارع هناك من يتحدث عن تجاربه. عن الليلة التي مرت عليه وعن كيف أن الأمور وصلت إلى هذا الحد. وممنوع أن نسمح لهذا أن يتكرر. ومن يعرف ماذا سيكون؟
في البقالة يجلس البائع لوحده، ينظر في كل لحظة من الفتحة ليرى ماذا يحدث في الشارع. سيدة كبيرة في السن في نافذة الطابق الثالث تجمع الغسيل عن الحبل، فقط من أجل أن تغسله مرة أخرى.
قرأت ذات مرة أن بصيلة الشم، المنطقة في المخ التي تعالج حاسة الشم، مربوطة باللوزة الدماغية وبقرن امون (البصلة الوردية السفلى)، وهي المناطق التي تعالج الأحاسيس والذكريات.
هذا هو السبب أن الروائح تثير ذكريات أكثر من أي حاسة أخرى. يطلقون على هذا ‘ظاهرة بروست‘، على اسم الأديب مارسيل بروست، الذي وصف في كتابه "البحث عن الزمن المفقود" كيف أن رائحة الكعكة المغموسة بالشاي تثير فيه رائحة الطفولة.
هذا الصباح نتن هنا. رائحة قوية من البلاستيك المحروق تغمر البيت، على الرغم من أن جميع النوافذ كانت مغلقة. رائحة عنف، غاز مسيل للدموع وعرق.
الأطفال سيبقون هذا اليوم في البيت، في محاولة لحمايتهم من الندب التي بقيت في الشارع، من أجل أن لا تخيف ذكريات طفولتهم. من أجل أن يستطيعوا أن يذهبوا مرة أخرى إلى حديقة الألعاب من دون التفكير في كل مرة عن السيارة المحروقة التي تقف في زاوية الشارع. من أجل أن لا يجدوا بالصدفة قنبلة غاز ملقاة إلى جانب حديقة الألعاب. ربما لو تركنا هذه الذكريات الليلية مشوشة ، نستطيع أن نتعافى منها.
حرقتم، كسرتم، ضربتم، ألقيتم، طعنتم، أطلقتم النار. ماذا الآن؟ وماذا غدا؟ نحن هنا، وكذلك أنتم وكذلك هم. نلتقي في المتجر، في حديقة الألعاب، في الباص.
أنا أنظر إليك وأسأل نفسي فيما إذا كنت هناك في الشارع في تلك الليلة. على ما يبدو لا، لكن من أين لك أن تعلم. وأنت بالتأكيد تنظر إليّ، تفكر في نفسك ماذا فعلت أنا في تلك الليالي. شيء ما بيننا لن يكون نفس الشيء.
وتوجد هناك نقاط ضوء. في صباح أمس، بعد المظاهرة في البلدة القديمة، قرر أولياء الأمور في الروضة أن يلتقوا، ليجهّزوا لافتة، من أجل أن يعرف الجميع: عندنا في الروضة نربّي الأطفال اليهود والعرب. عندنا في الروضة نتعلم أن هناك أشخاصا غير مستعدين أن يكونوا أعداء.
في الصباح، بعد ليلة من الكراهية، لا تزال هذه اللافتة صامدة، جميلة وعبقرية وتطلب أننا نستطيع أن نعيش هنا غدا أيضا.