صوت ألعمال في إسرائيل
menu
يوم السبت 4 أيار 2024
histadrut
Created by rgb media Powered by Salamandra
ألأخبار

"حقيبة الطوارئ جاهزة، لن نتحول إلى مستعمرة روسية": أصوات من أوكرانيا

سفيتلينا شيركوفا، من سكان مدينة خاركيف، لا تعرف فيما إذا كانت روسيا ستجتاح أوكرانيا لكنها مستعدة للدفاع عن وطنها | نيقولاي نيقولسكي، من سكان مدينة مريوبول يقلقه ارتفاع الأسعار خلال الشهور الأخيرة لكنه لن يهرب ولا بأي حال من الأحوال | سيرغي جوبنكو وهو عسكري من مدينة لافوف يقول إن ليس هناك هلع في الشوارع لكنه يعترف أن المسألة هذه المرة تبدو جديّة

بقلم دافيد طبرسكي

في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم ترقباً للاجتياح الروسي نجد أن مشاعر المواطنين الأوكرانيين مختلطة تجاه إمكانية اندلاع الحرب ضد روسيا خلال الأسبوع المقبل. وفي استطلاع أجراه معهد رزوموكوف يوم الخميس الماضي في أوكرانيا تبيّن أن ثُلث فقط من السكان المقيمين على مقربة من الحدود بين روسيا وأوكرانيا في مدن خاركوف ومريوبول يعتقدون أن روسيا ستجتاح أراضيهم. أما في مدينة كييف وفي غرب أوكرانيا فقد اعتقد أكثر من نصف الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع بان الاجتياح الروسي سيحدث لا محالة.

احتجاجات في كييف شارك فيها أكثر من 10000 من سكان العاصمة وشعارها "أوكرانيا ستواصل المقاومة" (تصوير: AP Photo/Efrem Lukatsky)
احتجاجات في كييف شارك فيها أكثر من 10000 من سكان العاصمة وشعارها "أوكرانيا ستواصل المقاومة" (تصوير: AP Photo/Efrem Lukatsky)

خرج أكثر من 10000 من سكان العاصمة كييف يوم السبت (12/2) في مسيرة جابت شوارع المدينة رافعين لافتات شجب لروسيا وهتفوا: "أوكرانيا ستواصل المقاومة". أما الرئيس فلاديمير زيلنسكي فقد حث أمس المواطنين على الحفاظ على الهدوء قائلاً: "نشكر جميع شركاؤنا في الغرب على مساعدتهم لكن هناك مبالغة في المعلومات المنشورة حيال إمكانية نشوب حرب شاملة" و"نحن نفهم كافة المخاطر وواعين لوجودها".

سفيتلينا شيركوفا، من مدينة خاركوف: "لن تعود أوكرانيا لتكون مستعمرة لروسيا، لقد تغيرت أحوال الناس"

خاركوف هي ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا (يبلغ تعداد سكانها حوالي 1.5 مليون نسمة) وتقع على مبعدة نصف ساعة سفر عن الحدود الروسية. اللغة المتداولة في شوارع المدينة هي اللغة الروسية، ووفقاً لما نشرته وسائل إعلام غربية فإنها ستكون أول مدينة يستهدفها الهجوم في حال اجتياح الجيش الروسي للبلاد.
وفي حديثها مع جريدة "دافار" قالت بنت المدينة، الرسامة سفيتلينا شيركوفا إن "روسيا لا زالت إمبراطورية ومبادئها شبيهة بمبادئ القياصرة، فهم يهددوننا بحرب حتمية لكننا لا نعرف متى ستقع وهل ستقع أصلاً".

ثم أضافت قائلة "لقد جهزت منذ زمن حقيبة الطوارئ وفيها المستندات والمستلزمات، لكنني آمل أن يكون خيراً".

"معظم الناس من حولي مستعدون للدفاع عن أرضهم ضد الغزاة. أوكرانيا كانت ولمدة طويلة مستعمرة لروسيا، وهذا لن يحدث مرة أخرى، لقد تغيّر الناس". "مبادئنا وقيمنا تختلف عن تلك الروسية، فنحن نرغب بتطوير بلدنا واختيار وجهتنا السياسية ونريد ببساطة أن نعيش حياتنا".

سيرغي جوبنكو: "هذه المرة تبدو الأمور أكثر جدية"

على الجانب الآخر من البلاد، بمحاذاة الحدود البولندية وفي مدينة لافوف التي يقطنها ما يقارب 700 نسمة نكاد لا نسمع اللغة الروسية في الشوارع. إنها المدينة ذات الطابع الأوروبي الأكبر في البلاد وعشرات الآلاف من سكانها من أصول بولندية وسكانها الأوكرانيين يعبرون الحدود البولندية يومياً بشكل اعتيادي.

وعلى حد قول العسكري سيرغي جوبنكو الذي يسكن في قرية صغيرة على أطراف المدينة "ليس هناك ذعر ولا طوابير أمام الحوانيت ورفوف البضائع مليئة".

سيرغي جوبنكو: جميع أصحاب ومعارفي في حالة استنفار" (تصوير: ألبوم خاص)
سيرغي جوبنكو: جميع أصحاب ومعارفي في حالة استنفار" (تصوير: ألبوم خاص)

وقال أيضاً إن "الناس حقاً قلقون لكنها ليست أول مرة تحتشد فيها القوات الروسية عند الحدود" لكني عند إعادة النظر فإنني لا أكذبك القول بأن الأمور تبدو هذه المرة أكثر جدية من ذي قبل".

وأضاف جوبنكو قائلاً: "أنا بصفتي عسكري فقد أعددت حقيبة طوارئ وسترة واقية من الرصاص" "وكذلك أصدقائي ومعارفي جميعهم في حالة استنفار".

كاتيا جريبسوبا، من مدينة أوديسا: "كل ما أسمعه يأتي فقط من أصدقاء من خارج أوكرانيا"

على مبعدة ما يقارب عشر ساعات سفر إلى الجنوب الشرقي من هناك تقع على ساحل البحر الأسود مدينة أوديسا البالغ تعداد سكانها حوالي مليون نسمة. ووفقاً لما نشرته وسائل إعلام غربية فإن الجيش الروسي يخطط لهجوم متكامل لفصل أوكرانيا عن شريطها الساحلي من مدينة مريوبول في الشرق وصولاً إلى مدينة أوديسا في الغرب.

وتقول كاتيا جريبسوبا التي تسكن في المدينة وتعمل في مجال سمسرة العقارات: "أحاول عدم مشاهدة النشرات الإخبارية وعلى الصعيد الشخصي فعندي كل شيء على ما يرام". "أرتعب لسماع إمكانية اندلاع الحرب لأننا وللأسف لسنا محظوظين في هذا الشأن مع جيراننا الذين نتوقع منهم كل شيء".

وأضافت كاتيا: "أسعار العقارات في المدينة ترتفع وهناك عمل كثير ولا يمكنني القول بان هناك خشية ما… مع إنني وبصراحة لم أتخيل أبداً بأن الروس سيستولون على جزر القرم في عام 2014. لقد فاجئني ذلك الأمر تماما وكل الأمور تبدو عبثية".

وعلى حد تعبير كاتيا جريبسوبا فلا أحد في محيطها يتحدث عن الوضع بتلك الجدية التي يتصف بها من هم خارج أوكرانيا وتقول إن "كل الأخبار التي أسمعها تأتي من أصدقاء من خارج أوكرانيا… واعتقد أن هذا كله جزء من الحرب النفسية الدائرة هنا منذ عقد من الزمن. ولربما لصرف الأنظار عن الأمور الأكثر أهمية".

إيرنا ماتفيشين، مدينة كييف: "الفكرة الأساسية السائدة في الشوارع هي المحافظة على الهدوء والاستعداد"

"كل خبر عاجل يرفع منسوب الضغط والخوف لكن الأوكرانيين لا يميلون للهلع" كما تقول الصحفية والناشطة الحقوقية التي تعيش في العاصمة، ثم أضافت قائلة: "ليس بوسع أحد أن يشرح ما هو هذا الأمر، اهو مراوغة من بوتين أم هي استراتيجية أمريكية لزيادة الهلع العام لمنع روسيا من الغزو أم هو تهديد حقيقي".

إيرنا ماتفيشين. "أن أكون صحفية ومواطنة في دولة تتعرص باستمرار للإرهاب النفسي هو أمر مُرهق للنفس" (تصوير: ألبوم خاص)
إيرنا ماتفيشين. "أن أكون صحفية ومواطنة في دولة تتعرص باستمرار للإرهاب النفسي هو أمر مُرهق للنفس" (تصوير: ألبوم خاص)

ووصفت إيرنا تلك الدعوات التي أصدرتها دول لمواطنيها لمغادرة أوكرانيا بأنها "غير راشدة" و"عديمة المسؤولية". وعلى حد قولها فإن "الناس يعرفون تماماً ماذا يجري والطابع العام في الشوارع هو الحفاظ على الهدوء والاستعداد. هذه هي الطريقة الوحيدة لحفظ الدولة وحفظ النفس".

وأضافت ماتفيشين قائلة: "أنا شخصياً لم أفلح بالتخطيط لأي شيء منذ شهر ديسمبر، فهناك سيل لا ينقطع من المعلومات التي تصلني وهناك عمل كثير مع وسائل الإعلام الأجنبية"، "أن أكون صحفية ومواطنة في دولة تتعرص باستمرار للإرهاب النفسي هو أمر مُرهق للنفس، ولهذا فإنني لا أخطط أي شيء، وحتى إجازتي القريبة ألغيتها. والدي يسكنان في مدينة لافوف في غرب البلاد وعلى الأقل أنا مطمئنة من هذه الناحية".

نيقولاي نيقولسكي، مدينة ماريوبول: "ارتفاع الأسعار يقلقني أكثر من الصواريخ"

نيقولاي نيقولسكي، خبير برمجة من سكان المدينة يقوم إن "الإعلام الأوكراني لا ينشر تقارير عن الوضع بنفس الحماس الذي نشاهده في وسائل الإعلام الغربية، ولهذا فإن روتين حياة الناس مستمر". عند بداية المعارك في شرق البلاد عام 2014 أصابت قذيفة البناية الملاصقة لبيته ونجا منها بأعجوبة.

قذيفة روسية سقطت خارج بيت نيقولسكي في عام 2014 (تصوير: ألبوم خاص)
قذيفة روسية سقطت خارج بيت نيقولسكي في عام 2014 (تصوير: ألبوم خاص)

"في المدينة روتين كالمعتاد والناس ليسوا خائفين وأنا أواصل عملي من البيت وأقبض راتبي…. ارتفاع الأسعار في الأشهر الأخيرة يقلق الناس أكثر من الصواريخ".

نيقولاي نيقولسكي: "الناس مستمرون في بالروتين الاعتيادي" (تصوير: ألبوم خاص)
نيقولاي نيقولسكي: "الناس مستمرون في بالروتين الاعتيادي" (تصوير: ألبوم خاص)

"ليست لدي خطط شخصية بالنسبة لما سيحدث فيما لو… ولا مكان أذهب إليه"، هذا ما قاله نيقولسكي ثم أضاف قائلاً: "لم أهرب في عام 2014 عند اندلاع الحرب وكذلك ليس بنيتي أن أفعل ذلك الآن".

كشك التحف التذكارية: "المسألة كلها مسألة بيزنس"

كيريل دورحينيكو يخرج للعمل كل صباح الساعة 06:00 بالضبط دون تأخير ولو لدقيقة واحدة. بانتظاره ساعتين من السفر في المواصلات العامة-باص وقطار أنفاق-لكي يصل من بيته على الأطراف النائية لمدينة كييف ا إلى مركز المدينة؛ وهناك في الشارع المؤدي إلى كاتدرائية القديسة صوفيا لديه كشك لبيع التحف التذكارية وهو بانتظار السياح.

السفر كل يوم في الثلج والبرد أمر متعب لكن لا مفر منه. "لقد كسبت من الأشغال في المنطقة التي أسكنها ثُلثي ما أكسبه هنا ويجب أن يسعى الإنسان لكسب رزقه". هذا الجمع بين الشتاء والكورونا والتهديدات الآن بالحرب حكمت بالإعدام على اقتصاديات السياحة في المدينة التي شهدت سنوات من النمو منذ الثورة في عام 2014.

كيريل دورحينيكو في كشكه لبيع التحف التذكارية. "المسألة لا تقتصر فقط على الجانب الروسي، فالنظام عندنا وكذلك القوميون يحققون أرباحاً جيدة من هذه الصفقة" (تصوير: دافيد تبرسكي)
كيريل دورحينيكو في كشكه لبيع التحف التذكارية. "المسألة لا تقتصر فقط على الجانب الروسي، فالنظام عندنا وكذلك القوميون يحققون أرباحاً جيدة من هذه الصفقة" (تصوير: دافيد تبرسكي)

إنه على قناعة بأن الحرب لن تقع ويقول إن "كل هذا بيزنس. "كفى كلاماً عما قد يحدث أو لا يحدث، ولنتكلم عن ضرر الكلام الذي لا يتوقف عن الحرب. إننا نعيشه هنا على جلودنا وبالأساس في جيوبنا كل يوم".

ثم أردف قائلاً "حين أقول لك بيزنس، فهذا لا ينطبق فقط على الجانب الروسي، فنظام الحكم لدينا وكذلك القوميين يجنون مكاسب جيدة من هذه الصفقة. وقد تتساءل من أين لي معرفة ذلك؟ حين يرتفع التضخم المالي بعشرات النسب المئوية ولا تبدو أي علامة تدل على أن الحكومة قد فعلت شيئاً حيال هذا الأمر، فذلك لأن حياة الشخص المترف ظلت مريحة وبغض النظر إن كان "منا" أو "منهم"."

محطة مترو "أرسنلينيا": أكبر ملجأ في المدينة

أثناء سفري في قطار الأنفاق مع لولا جلبواع، مرشدة رحلات في المدينة ومدرسة للغة العبرية، حدثتني عن محطة قطار الأنفاق "أرسنلينيا"-أعمق محطة قطار أنفاق في العالم (102 متر تحت سطح الأرض)، التي تحولت اليوم إلى أكبر ملجأ في المدينة.

أعمق محطة قطار أنفاق في العالم. توجد بين طوابقها بوابات فولاذية يتم إغلاقها في حال وقوع هجوم (صور: دافيد تبرسكي)وقالت ضاحكة: "في بيتي لا يوجد ملجأ وكذلك في معظم البيوت التي أعرفها"، "لكن هنا محطة القطار عميقة جداً لدرجة استدعت تركيب شريطين ضخمان لنقل الأشخاص من سطح الأرض إلى قاعها". على مدخل المحطة وبين كل طابق وطابق توجد بوابة فولاذية يتم إغلاقها في حالة وقوع هجوم.

لولا جلبواع، مرشدة رحلات ومدرسة للغة العبرية. "ليس هناك عداء بين الروس والأوكرانيين، إنه صراع بين رجالات "الإمبراطورية" وبين الناس الأحرار" (تصوير: دافيد تبرسكي)
لولا جلبواع، مرشدة رحلات ومدرسة للغة العبرية. "ليس هناك عداء بين الروس والأوكرانيين، إنه صراع بين رجالات "الإمبراطورية" وبين الناس الأحرار" (تصوير: دافيد تبرسكي)

علم ونصب تذكاري: "سلام وطعام. هذا كل ما يحتاجه الإنسان"

استمرت الجولة إلى أن وصلنا إلى النصب التذكاري لذكرى إبادة الشعب الأوكراني -"الهولودومور" (موت بالتجويع) -إنه بمثابة نصب "ياد فاشيم" بالنسبة لأوكرانيا التي تحيي ذكرى موت 3.5 مليون أوكراني من جراء سياسة موجهة لمقاطعة المحاصيل مارسها السوفييت في ثلاثينيات القرن الماضي.

علم أوكرانيا الضخم الذي ثبته رئيس البلدية. "كلمات النشيد الوطني "هتكفا" "أن نكون شعباً حراً في بلدنا" تنطبق هنا بالمثل" (تصوير: دافيد تبرسكي)
علم أوكرانيا الضخم الذي ثبته رئيس البلدية. "كلمات النشيد الوطني "هتكفا" "أن نكون شعباً حراً في بلدنا" تنطبق هنا بالمثل" (تصوير: دافيد تبرسكي)

"ما هو علم أوكرانيا؟" تسألنا جلبواع وتشرح لنا، إنه "سماء زرقاء في الأعلى وحنطة صفراء في الأسفل. سلام وطعام. هذا كل ما يحتاجه الإنسان". على طرف القضيب الذي يحمل العمل كُتبت عبارة VOLA – حرية وانعتاق. وتقول جلبواع إن "كلمات نشيد "هتكفا" "أن نكون شعباً حراً في بلدنا" تنطبق هنا تماماً بالمثل".

وتؤكد لنا جلبواع بأن "ليس هناك عداء بين الروس والأوكرانيين، إنه صراع بين رجالات "الإمبراطورية" وبين الناس الأحرار. هناك أناس أحرار في روسيا وهناك رجالات الإمبراطورية هنا في أوكرانيا. أعرف شخصاً يعتقد أن أوكرانيا هي مشروع تابع لروسيا".

نقف إلى جانب النصب التذكاري للطفلة التي تحمل سنابل الحنطة. ومن خلفها المدخل إلى المتحف الوطني الذي يروي حكاية تاريخ الجوع. "وجود التمثال هنا هو الأمر الأهم. إنه ينطوي على مغزى قوي"، قالت جلبواع. "حين درست في المدرسة لم يتحدث أحد عن "الهولودومور، فقد كانت هناك عبارات عامة مثل "مصير الشعب السوفييتي سيكون قاسياً جداً" و"أجدادنا لم يجدوا ما يأكلونه".

نصب تذكاري لذكر تجويع الفلاحين: طفلة وبيدها سنابل حنطة. وبعد إنكار دام سنوات أجيز الآن الكلام عن هذا الحدث (تصوير: دافيد تبرسكي)
نصب تذكاري لذكر تجويع الفلاحين: طفلة وبيدها سنابل حنطة. وبعد إنكار دام سنوات أجيز الآن الكلام عن هذا الحدث (تصوير: دافيد تبرسكي)

وحين بدأ الحديث في المدارس وفي العالم الثقافي عن الجوع بصفته جزء من التاريخ، فقد انتقل المجتمع على حد قولها إلى مرحلة مختلفة تماماً. "اكتشف الناس فجأة الويلات التي أصابت الأجيال السابقة، لقد رأوا الألم وشعروا بالرعب. كان وقع الأمر صعباً على نفوسهم. وعلاوة على كل ذلك صار بإمكانهم أن يتحدثوا لأول مرة عما فعل من بمن وكيف".

السياسة الموجهة لتجويع الفلاحين والتي تم إنكارها على مدى سنوات مورست بأوامر من موسكو وفقا لاستنتاجات مؤرخين غربيين قاموا بدراسة القضية. ما يزيد عن 80% من ضحايا التجويع كانوا أوكرانيين. وفي هذا السياق تقول جلبواع إن "محاولات روسيا للتأثير على عمليات بلورة التاريخ في أوكرانيا مستمرة حتى اليوم".

كاتدرائية القديسة صوفيا: "الآن هذه أيام التحرير"

"أوكرانيا فاليكا!" (أوكرانيا العظيمة) يغنيها لنا ميكولا بصوت الأوبرا العميق المتناغم بشكل جميل مع أصوات الأجراس ويشد إليه نظرات المارة. ويقول لنا "بهذا الصوت أنشدت هنا في عام 2014 التراتيل الجنائزية والجماهير تحمل على أيديها جثامين قتلى المظاهرات. خرجت لكل مظاهرة لأجل شعبنا منذ سنة 1991 وحتى اليوم" ويقول لنا بلغة أوكرانية فضيحة "شعبنا شعب عظيم".

زوجته أولنا المولودة في مدينة كريبوي روغ في جنوب أوكرانيا تتحدث الروسية بطلاقة، أما هو بالذات فهو من مواليد مدينة لنينغراد في روسيا (قدم إلى أوكرانيا حين كان طفلاً) ويصر على التحدث باللغة الأوكرانية. فعلى حد قوله فإن "الروس يديرون حرباً ضد لغتنا وأنا سأظل مخلصاً لهذه اللغة".

أولنا وميكولا سيكورا. "الآن هناك فرصة كبيرة سانحة لأوكرانيا لكي تنجح بالإفلات من نفوذ وقبضة الدب الكبير" (تصوير: دافيد تبرسكي)
أولنا وميكولا سيكورا. "الآن هناك فرصة كبيرة سانحة لأوكرانيا لكي تنجح بالإفلات من نفوذ وقبضة الدب الكبير" (تصوير: دافيد تبرسكي)

كلاهما متدينان وينتميان لتلك الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التي احتمت بظل الكنيسة الروسية طيلة ما يزيد عن 400 سنة. ومن تداعيات برود العلاقات بين الدولتين انفصال الكنيستين عن بعضهما البعض. وقالت أولنا: "في القرن السابع عشر أرغمت الكنيسة في موسكو الكنيسة الأوكرانية على الانصياع لها، أما الآن فهذه أيام التحرر".

في شهر يناير 2019 قام البطريرك برتولمايوس، كبير رجال الدين في التيار المسيحي الأرثوذكسي بمنح مكانة مستقلة للكنيسة الأوكرانية، وأكثر من 60% من سكان أوكرانيا يعتبرون أنفسهم منتمين إلى تلك الكنيسة. وتقول أولنا أن " كييف لم تعط أبداً الإذن لروسيا، لقد كانت تلك خدعة اعتمدت على الأكاذيب الروسية والان بات الجميع يعرف ذلك رسمياً".

في مركز المدينة شوارع جامدة. "بوتين يعمل ليل نهار لجرنا إلى الوحل مرة أخرى" (تصوير: دافيد تبرسكي)
في مركز المدينة شوارع جامدة. "بوتين يعمل ليل نهار لجرنا إلى الوحل مرة أخرى" (تصوير: دافيد تبرسكي)

"الآن هناك فرصة كبيرة سانحة لأوكرانيا لكي تنجح بالإفلات من نفوذ وقبضة الدب الكبير" على حد تعبير ميكولا، "وهذه الأمور لها وزن كذلك في إسرائيل. يجب أن يدرس الشباب في العالم تاريخ إبادة الشعب الأوكراني، وهذا جزء كبير وفظيع من تاريخنا. وللأسف فإن إسرائيل لم تعترف به حتى الآن".

حين يشاهد التلفزيون فإنه يشعر بما أسماه "الغباء الأكبر" في كل ما يتعلق بتعامل روسيا مع أوكرانيا. ويتساءل "ألا تكفي جزيرة القرم" "ألا تكفي دونبس. بعدها سيطالبون ببولندا وثم رومانيا. الروس لا يتوقفون أبداً. فعلى الرغم من انهيار هذه الإمبراطورية في عام 1991 فلا يزال الفكر الإمبريالي مسيطراً عليها، بوتين يعمل ليل نهار لجرنا إلى الوحل مرة أخرى، لكن الناس هنا خرجوا إلى الشوارع يحملون الشُعُب والمشاعل والبلطات. لن يقبلوا بالعودة إلى الخنوع".

"الوطن الأم". سيف في اليد اليمنى ودرع وعليه شعار الاتحاد السوفياتي باليد اليسرى (تصوير: دافيد تبرسكي)
"الوطن الأم". سيف في اليد اليمنى ودرع وعليه شعار الاتحاد السوفياتي باليد اليسرى (تصوير: دافيد تبرسكي)
في الشارع في كييف. الحياة مستمرة رغم كل شيء (تصوير: دافيد تبرسكي)
في الشارع في كييف. الحياة مستمرة رغم كل شيء (تصوير: دافيد تبرسكي)

 

اشترك في النشرة الإخبارية الشهرية
من خلال التسجيل، أقرّ بقبول شروط استخدام الموقع