أشارت دراسة جديدة أجراها معهد "يسودوت" إلى وجود فجوات شاسعة في تطوير البني التحتية المادية في إسرائيل؛ الوصول إلى المواصلات العامة والماء والكهرباء والاتصالات المتقدمة والعناية بالنفايات، وهذا ما يخلق فجوات في قدرة السكان على ممارسة مستوى معيشة جيد.
تدل الدراسة على أن سلم أوليات الحكومة يخلق فجوات كبيرة من حيث الاستثمار في مناطق مختلفة من البلاد كذلك بالمقارنة بمجموعة دول الـ OECD، وذلك على الرغم من النمو الاقتصادي في البلاد. ويقترح المعهد أن يتحدد في القانون بند "بنية تحتية أساسية شاملة" للجميع ورصد ميزانية لتقليص الفجوات في البني التحتية بين المواطنين في الدولة، ما يساهم في ضمان تكافؤ الفرص للجميع.
في إسرائيل يعيش 210 آلاف مواطن غير مرتبطين بشبكة المجاري
وبحسب الدراسة فإن الشريحة السكانية المتضررة من غياب القدرة للوصول إلى البني التحتية هي شريحة كبيرة. وفي عدد قليل من الحالات نجد أن وضع الفرد المالي هو ما يمنع الوصول إلى البنية التحتية، لكن في معظم الحالات نحن بصدد فجوة بنيوية نابعة من الفجوات في استثمارات الدولة والفجوات بين السلطات المحلية.
فعلى سبيل المثال هناك ما يقارب 210 آلاف من سكان إسرائيل غير مرتبطين بشبكة المجاري، وخاصة في شرق القدس وفي القرى البدوية غير المعترف بها، وهناك حوالي 4% من سكان الدولة لم تتغير حالتهم على امتداد عقود من الزمن. وفي حين بلغ معدل تناقص الماء في سنة 2020 حوالي 10% فقد كان معدله في البلدات غير اليهودية 16% بالمعدل في حين نجد على طرف الإحصاء بلدات بلغ تناقص الماء فيها نسبة 30% – أي هدر ما يقارب ثُلث كمية الماء بالذات في البلدات الضعيفة بشكل خاص.
أما في مجال الكهرباء فقد تبين أن موثوقية تزويد الكهرباء في كتلة منطقة دان أعلى بشكل واضح من موثوقية التزويد في المناطق النائية عن مركز البلاد: حيث يصل الفرق إلى زيادة بضعف 2.5 دقائق من انقطاع التيار في محافظة الجنوب وتواتر انقطاع التيار الكهربائي أعلى في محافظات الجنوب ومحافظات حيفا والقدس مقارنة بمحافظات مركز البلاد.
هناك فجوات كبيرة في مجال الاتصالات بين نوعية البني التحتية في الشبكات النحاسية القديمة التابعة لشركتي بيزك وهوت بالمقارنة مع الشبكات الجديدة المصنوعة من الألياف الضوئية التي تشغلها شركات بيزك وبارتنر وIBC (التابعة لشركتي سلكوم وهوت). وتدل نتائج الدراسة على أن إسرائيل متخلفة عن دول OECD ليس فقط من حيث توافر إلى الألياف الضوئية، إنما متخلفة أيضاً في استخدامها.
عملت وزارة الاتصال خلال السنتين الأخيرتين على تغيير النظام بغية تسريع الانتقال إلى خدمة الإنترنت بشبكات الألياف الضوئية، لكن فقط على أساس اقتصادي – وهذا ما يوسّع الفجوات أكثر فأكثر بين المناطق المكتظة بالسكان وبين المناطق قليلة السكان. وينطبق هذا الأمر كذلك على مناطق مختلفة داخل المدن الواقعة وسط البلاد، فحتى في مدينة تل أبيب هناك مناطق لم يتم تغطيتها بعد بشبكة اتصال بأليف ضوئية جاهزة لترتبط بها البيوت.
قلة استثمارات منهجية
على الرغم من أن إسرائيل غير مدرجة في مرتبة متدنية على سلم الاستثمار في البني التحتية لدول OECD فقد نشأت على مدى سنوات كثيرة فجوات ناجمة عن قلة الاستثمارات، وللتعويض عن تلك الفجوات يتعين على الدولة زيادة الاستثمار بشكل هائل.
وهذا الرأي تتبناه هيئات اقتصادية رائدة في العالم مثل منظمة OECD ذاتها وكذلك بنك إسرائيل، لكنه يتعارض مع رأي الحكومة الإسرائيلية الحالية التي طرحت مؤخراً خطة لتخفيف الضرائب ودعم تقليص العجز. وهذا ما قاله رئيس الحكومة بينيت صراحة في مؤتمر صحفي بشأن الخطة الجديدة: "الأموال هي أولاً ملك للمواطنين. لن نعطيكم المال، إنما سنأخذ منكم مالاً أقل".
في معهد "يسودوت" يشددون على ما لم تتطرق إليه الخطة الاقتصادية – الفجوات في الاستثمار العام في مختلف البني التحتية، والتي تستدعي رصد ميزانية لائقة تعني رفع نسبة الضرائب أو زيادة العجز أو كلاهما معاً. ومن وجهة نظر المعهد فإن هذا هو "غلاء المعيشة على المدى البعيد" والذي سينعكس بزيادة المدفوعات من المال الخاص مقابل المواصلات والكهرباء والماء والاتصال أو ببساطة حياة من الإهمال مع غياب مطلق لإمكانية الوصول إلى البني التحتية.
هناك حاجة لتحديد معيار أدنى لجميع مواطني الدولة
يقترح معهد "يسودوت" حل شامل لمسألة الفجوات في البني التحتية من خلال تشريع ينص على توفير "بنية تحتية شاملة أساسية" لكل مواطن. وهذا التشريع يعنى كذلك بجمع المعلومات عن الفجوات في البني التحتية ويفرض على الدولة تحديد معايير وجداول زمنية ورصد ميزانيات لأجل الالتزام بتلك المعايير.
نحن بصدد استثمار ليس بقليل لكن هذا هو الاستثمار الذي يلبي الحاجة على المدى البعيد ويحسن إلى حد كبير من قدرة السكان على الاستفادة من الخدمات والفرص، ما سيؤدي إلى تعزيز اقتصاد الدولة ورفع جودة المعيشة.
وعلى حد قول عميت بن تسور، مدير معهد "يسودوت": "يجب إنتاج نمو شمولي حقيقي: نمو يشارك كثيرون في إنتاجه وينعم كثيرون بثماره. التحديد الشامل لقدرة الوصول إلى البني التحتية في القانون قد يشكل خطوة هامة من شأنها دفع إسرائيل إلى الأمام من الناحية الاقتصادية وكذلك من الناحية الاجتماعية".
أجرت الدراسة الدكتورة أورنا هيلس تحت إشراف الدكتور أيال تفات وعميت بن تسور وتعتمد الدراسة على قرار الحكومة رقم 2494 من عام 2015، حيث قررت حكومة إسرائيل إجراء قياس متتابع وإصدار نشرة سنوية لمؤشرات جودة المعيشة والاستدامة والمناعة القومية في مجالات عدة.
****
تأسس معهد "يسودوت" عام 2019 بمبادرة الحركة الكيبوتسية وحركة القرى الزراعية في إسرائيل واتحاد المنظمات الاقتصادية الكيبوتسية وصندوق بيرل كتسنلسون. ومن ثم انضمت إلى الهيئات التأسيسية مجموعة "حفاتسيلت" ومركز "حزان" والكيبوتس الديني واتحاد مزارعي إسرائيل ورابطة الصناعات الكيبوتسية.