صوت ألعمال في إسرائيل
menu
يوم الخميس 25 نيسان 2024
histadrut
Created by rgb media Powered by Salamandra
ألأخبار

عمود الضيف / وماذا سنقول لأطفالنا؟

سجود خطيب, عاملة اجتماعية في مركز الدعم للعائلات الثاكلة: "عندما يسمع الطفل بأذنيه طلقات الرصاص, لا نستطيع ان نجعله يستمع لمقطوعة بتهوفن"

سجود خطيب 
عاملة اجتماعية في مركز الدعم للعائلات الثاكلة- كفركنا
سجود خطيب عاملة اجتماعية في مركز الدعم للعائلات الثاكلة- كفركنا
بقلم سجود خطيب

يفترض أن يحيى الأطفال حياتهم بشكل كامل، ان يتلقوا الأفضل في أحضان عائلاتهم، وأن يكبروا داخل حيز والدي يحميهم ويعطيهم الأمان، وبالتالي يساعدهم على أن يتطوروا بشكل طبيعي ذهنيا، جسديا وعاطفيا. لكن الأطفال في المجتمع العربي، والذين يسمعون في كل يوم عن القتل، طلقات الرصاص في الليل، الاخبار اليومية حول السطو المسلح، الطعن، اطلاق الرصاص, القتل ومحاولات التصفية.. يعيشون بكل الأسف في واقع مختلف.
عندما يسمع الطفل بأذنيه طلقات الرصاص, لا نستطيع أن نزيف له ما قد سمع, وان نجعله يستمع لمقطوعة بتهوفن.. وعندما ترى الطفلة صورة الصبية التي قتلت بالخطأ, لا يمكننا "تجميل" الحقائق واخفاء ما رأت, وان نجعلها تشاهد فيديو "أليس في بلاد العجائب"..
نحن الأهل المتسمرون امام شاشات الهاتف, نسمع إشاعة من هنا وتسجيلا من هناك, نرى فيديو للوقائع ونستمع لكلمات الرثاء والغضب على الوضع الذي وصلنا اليه. نشعر بالتوتر والحنق, ونسرب دون ان نقصد, هذه المشاعر لأولادنا, الذين يسمعون اجزاءا من القصة, يرون قسما من الصورة الكاملة, يخافون ولا يفهمون ما يدور حولهم ولماذا؟! وبداخل دوامة التوتر هذه, ننسى نحن الأهالي الوضع العاطفي والحسي لدى أطفالنا, أطفالنا الذين باتوا مع كامل الأسف يستطيعون التمييز بين طلقة المسدس العادي وطلقة بارودة 16M او حتى طلقة لسلاح اوتوماتيكي "أثقل"! ننسى انه سلبت من أطفالنا الفرصة ليعيشوا طفولتهم ببراء وبساطة, كما يحتاج كل أطفال العالم ان يعيشوا!
اليوم الذي كتبت به هذه الكلمات, هو يوم صعب ومأساوي على كفركنا, القرية التي أعيش بها, والتي تتواجد عيادة عملي في مركز أيلا بها, مركز دعم العائلات الثاكلة. في الليلة السابقة كانت أصوات الرصاص رهيبة, اطلق بعض المسلحين نيرانهم أيضا باتجاه عامود الكهرباء, كي يقطعوا الكهرباء عن الكاميرات التي قد تصور افعالهم المرعبة, وساد الظلام. وابتدأت أصوات الرصاص تصم الاذان, كان الوضع اشبه بساحة حرب- لا ليست الحرب بين روسيا وأوكرانيا- بل حرب أبناء العمومة المسلحين ككتيبة عسكرية كاملة!
مشاعر مختلطة من الخوف, الرعب, العجز, الظلمة والبرد. اختلطت أصوات المطر بأصوات الرصاص, مع الصوت الأعلى- القلوب التي تدق بقوة. نصحو في الصباح- على اعتبار اننا نمنا بعض السويعات هنا وهناك, ونسمع الخبر الأصعب! اخترقت رصاصة بيت الجيران, واستقرت في قلب صبية جميلة, ذات عينان بنيتان وشعر اسود طويل, رزان عباس. صبية في الثاني عشر, صحت على أصوات الرصاص كما الجميع وركضت لغرفة والديها, وهناك باغتتها الطلقة اللئيمة مخترقة صدرها وتوفت. ولكن لحظة! ليست الرصاصة هي اللئيمة, هنالك اشخاص يدق في صدورهم قلب هدفه ضخ الدم وليس اكثر, يفتقرون للعاطفة والضمير وهم أولى أن نصفهم باللؤم وليست الرصاصة! مخاوف الامس والرعب الذي الم بالناس, تحققت في الصباح عندما سمعوا بخبر الموت! لم يعد الخوف في هذا الصباح شعورا مجردا, بل كان شيئا واضحا يمكن لمسه ورؤيته.. هل تذكرون الحيز الامن والحامي الذي ذكرته مسبقا؟ لم يعد موجودا! اذا لم يكن هنالك أمان في بيت الانسان فاين يكون؟ ما هي وجهتنا والى اين تبحر سفن أطفالنا في هذا المجتمع؟
كنت في الصباح متجمدة امام شاشة هاتفي, وقرأت ان المجلس المحلي اعلن الاضراب احتجاجا على القتل, سيكون الأولاد في البيت, وفكرت من سيشرح لهم الاحداث المريرة؟ فكرت بان كل الأهالي سيكون حالهم مثل حالي امام الهاتف الذي ينقل الوقائع, يقرأون ويسمعون ويدق قلبهم في ذهول, فمن سيكون لأولادهم ويخبرهم لماذا هم في البيت وليسوا في المدرسة؟ ما سر الأصوات التي سمعوها في الليل؟ ومن سيضمن ان يفرغوا مشاعرهم ويتحدثوا عنها؟ ففي النهاية نحن الكبار بحاجة للدعم والاحتواء فمن يكون للأطفال الصغار؟
لذا جلست وكتبت الرسالة التالية للأهالي, على امل ان اساعد ولو قسما من الأطفال:
"صباح صعب على كفركنا بعد ليلة اطلاق نار كثيف, وبعد قتل الصبية رزان عباس, ووسط كل هذا علينا نحن كأهالي, أمهات واباء ان ننتبه للتالي:
• انتبهوا لتأثير هذه الاحداث على الوضع النفسي العاطفي لأولادكم, اشرحوا لهم بكلمات مبسطة لماذا هم في البيت اليوم وليسوا في المدرسة, ما هو هدف الاضراب؟ ما سر الأصوات التي سمعوها في الليل؟
• اشرحوا لهم ان نتيجة اطلاق الرصاص بشكل عشوائي, قتلت رزان عباس برصاصة طائشة. لا تحاولوا تجميل الواقعة او الكذب, لانهم سيسمعون من وسائل التواصل المحلية ومن أولاد اخرين, كونوا انتم المسؤولين عن شرح الوقائع لأبنائكم, بصورة وأسلوب يخفف عنهم ولا يزيد هول الصدمة.
• استعملوا لغة متلائمة مع جيل الطفل, واسالوه ماذا فهم؟
• أعطوا مساحة للتفريغ العاطفي, واذكروا أسماء المشاعر بوضوح: خائفون, قلقون, مصدومون, نشعر بالعجز..
• اجيبوا على اسئلتهم بصدق, لكن دون ذكر تفاصيل عميقة وصادمة عن القتل, كي لا تزيدوا هول الواقعة.
• اعطوهم المجال ليرسموا, يتحدثوا معكم وبينهم عن الاحداث, عانقوهم, أعطوا الشرعية لمشاعر الخوف وانعدام الأمان, شاركوهم بأنكم أيضا تشعرون بذلك..
نشرت هذه الرسالة في مواقع التواصل ومجموعات المدارس وبكل مكان قادر على إيصال المساعدة للأهل ولطواقم التدريس. وبالطبع قمت بهذه الخطوات مع ابنائي.. صمتنا سوية, تحدثنا عن مشاعرنا سوية, سألتني ابنتي ان كانت ستدخل طلقة رصاص من شباك غرفتها, تساءل ابني الكبير لماذا ابكي الان واجبته بانني افكر بأم الفقيدة وألمها, وقفز ابني الصغير بالسؤال الأصعب: "اذا متنا ماذا ستفعلين؟" اخذت نفسا عميقا واجبته: "سأبكي, سأتألم, واصلي الان لله ان يحفظكم ويحميكم".. وخبأت في داخلي هذا الامل وصليت كي يتحقق…

******

سجود خطيب, مركز إيلا للتعامل النفسي مع فقدان
عاملة اجتماعية في مركز الدعم للعائلات الثاكلة- كفركنا

 

اشترك في النشرة الإخبارية الشهرية
من خلال التسجيل، أقرّ بقبول شروط استخدام الموقع