وظائف العمل بأجور متدنية مثل التنظيف والإنتاج هي نقطة الالتقاء الوحيدة بين السكان البدو وبين الشرائح السكانية المستضعفة من المجتمع اليهودي، وهناك قلة قليلة من البدو يعملون في شركات الهايتك في النقب. هذا ما كشفت عنه دراسة حول تشغيل المجتمع العربي البدوي في النقب، حيث أجرت الدراسة شركة "ناس" لصالح مؤسسة "كاف ايمباكت" ومركز ربط التعليم العالي بالتشغيل.
حوالي 20% من سكان النقب هم عرب بدو، ولكن في معظم شركات الهايتيك الكبيرة التي افتتحت فروعاً لها في النقب يعمل بدو معدودين فقط، في حين تبين أن شركة واحدة فقط، وهي شركة "سراج التكنولوجية" التي أسسها رجال أعمال من المجتمع البدوي يعمل فيها أكثر من 10 موظفين من البدو.
كما وتبين من الدراسة أن حوالي ثلثي الرجال البدو وربع النساء البدويات حاضرين في سوق العمل. وتشير الدراسة إلى عدد من العوامل التي تؤثر على نسبة التوظيف المنخفضة في أوساط البدو، ومنها حالة البنية التحتية المهلهلة في القرى البدوية في النقب، ونسبة الفقر ووضع جهاز التعليم البدوي.
وبحسب الدراسة فإن 73% من النساء البدويات العاملات يعملن في مجالات التربية والخدمات الصحية والرفاهية. 72% من الرجال تتركز أعمالهم في 5 مجالات، معظمها أعمال الياقات الزرقاء (البناء والمواصلات والصناعة والتجارة).
نسبة التعليم الأكاديمي ترتفع ولكن فرص العمل منخفضة
أشار الباحثون إلى زيادة كبيرة طرأت في السنوات الأخيرة على عدد الطلاب البدو الذين يلتحقون بالمؤسسات الأكاديمية في إسرائيل. لكن 9% فقط من الطلاب العرب هم بدو، بينما نسبية البدو في المجتمع العربي هي 15%. 78% من الطلاب الجامعيين البدو يدرسون لنيل اللقب الجامعي الأول هم نساء. مجال التعليم الأكبر هو التربية وإعداد المعلمين، لكن نلاحظ في السنوات الأخيرة أن هناك بداية لزيادة الإقبال على مجالات تعليم أخرى.
تشكل النساء البدويات 67% من مجموع البدو الذين شاركوا في التدريب في البرامج المدعومة ومعظمهن في تعليم تحضيري وليس في دورات مهنية. يشكل الرجال البدو 80% من مجموع المشاركين في برامج التدريب غير المدعومة وخاصة في دورات المواصلات، بينما تتركز النساء في مجالات التربية والرعاية.
يدرس حوالي 600 طالب بدوي في برامج التأهيل التكنولوجي، ومنهم حوالي 70% رجال. حوالي 44% من الرجال يدرسون الهندسة المدنية. وفي أوساط النساء حوالي 25% يدرسن تشغيل المعدات الطبيّة وحوالي 35% يدرسن الهندسة المعمارية والتصميم الداخلي.
تشير الدراسة إلى أن الوظائف المخصصة للأكاديميين في النقب محدودة، ما يجعل الأكاديميين البدو في مكانة متدنية مقارنة بزملائهم اليهود. وهكذا نجد عدد قليل جداً من الموظفين البدو في شركات الهايتك العالمية التي افتتحت فروعاً لها في النقب.
صَنّف الباحثين مجمل الصعوبات في توظيف البدو في 4 فئات:
فجوات في البنية التحتية: تحديات العمل الناجمة عن واقع الحياة التي يعيشها المجتمع العربي البدوي. ومن جملة الفجوات التي يمكن ذكرها هناك صعوبة الموصلات في النقب وكذلك فإن انخفاض مستوى المعرفة الديجيتالية للسكان البدو حقاً يشكل عائقاً آخر.
الجيل الأول للتعليم والعمل: بالنسبة لأجزاء كبيرة من المجتمع العربي البدوي فإن الاحتكاك بسوق العمل الحديث هو بدائي، وبالتالي فإنه يخلق فجوات في المعايير والسلوك نسبة لما يمكن توقعه منهم. وكذلك نسبة الإلمام المنخفضة باللغتين العبرية والإنجليزية تشكل عائقاً رئيسياً أمام اندماج البدو في سوق العمل.
أقلية ضعيفة وتقليدية: هناك تحدي معقد أساسه أن المجتمع العربي البدوي هو أقلية ضعيفة وتقليدية شهدت عمليات تغيير. المجتمع البدوي تحكمه أعراف ثقافية وعائلية تجعل من الصعب الانخراط في سوق العمل الحديث، مثل حاجة المرأة للعمل على مقربة من منزلها. وهناك صعوبة أخرى وهي العنف والجريمة اللذان يخلقان بيئة معادية للمصالح التجارية الجديدة، وكذلك لأن عمليات التغيير البطيئة في المجتمع البدوي لا تتناسب مع سرعة تحرك سوق العمل الحديث.
صعوبة في الثقة وفي التعامل مع المجتمع اليهودي: الانخراط النوعي في سوق العمل يتطلب الاحتكاك بمجموعة الأغلبية. وهذا الاحتكاك مصحوب بالريبة وغياب الثقة من الجانبين وهذا ما يستدعي ضرورة التغلب على الفجوات اللغوية والثقافية.
"العائق الثقافي هو بمثابة غطاء للتستر على الصعوبة الموضوعية"
تقول الدكتورة عالية أبو كف، رئيسة قسم التنمية الاقتصادية الاجتماعية في جمعية ينابيع: "هذا الحديث عن العائق الثقافي يعني الاستسلام، إلى متى نظل نتحدث عن العوائق الثقافية وليس عن مشاكل التوظيف الحقيقية. العائق الثقافي هو غطاء للتستر على الصعوبة الموضوعية ".
ينصح الباحثون بأن يسعى مشروع تشجيع توظيف البدو إلى دمج السكان البدو ليس فقط في تنفيذ المشروع، إنما أيضاً في تخطيط وإدارة المشروع. كما ينصح الباحثون بضرورة استثمار الموارد بطريقة هادفة في برامج فرص نجاحها عالية من أجل اكتساب ثقة المشاركين في المشروع واكتساب ثقة السكان المحيطين بالمشروع.
وفي حديث لها مع صحيفة "دافار" قالت نوى جهشان بطشون، رئيسة شركة "كاف ايمباكت": "يعمل مشروع كاف ايمباكت منذ حوالي 6 سنوات على تعزيز المجتمع العربي في قطاع الأعمال. وقد أدركنا أن منطقة الجنوب ليست شريكة في النجاح، وعليه فقد فضلنا التركيز على تحسين أوضاع التوظيف للمجتمع العربي في الجنوب والدفع بخطوات استراتيجية تسمح للمجتمع العربي البدوي في الجنوب بالاندماج في الشركات التجارية وأن يكون أبناء هذا المجتمع شركاء في سوق العمل في الجنوب ".
تقول د. نسرين حداد حاج يحيى، وهي مسؤولة من شركة "ناس": " نتائج الدراسة تشير إلى ضرورة التدخل بشكل فوري من طرف عدة جهات، بما فيها الوزارات الحكومية والسلطات المحلية وقطاع الأعمال ومنظمات المجتمع المدنية، والتي تسعى إلى دفع مسار تغيير واسع النطاق في كل ما يتعلق بتوظيف المجتمع العربي البدوي في الجنوب. إن المجتمع العربي البدوي في النقب ثروة وليس عبء كما ينظر إليه كثيرون. المجتمع العربي في النقب يعيش في ظروف دولة من العالم الثالث وقد حان الوقت لتلبية حاجات هذه الشريحة السكانية لكي يتسنى لها العيش في ظروف لائقة ".