"أُزيلت الحواجز لكن الحياة لم تعد إلى طبيعتها"، هذا ما قالته نادرة جبر، مديرة الإدارة الجماهيرية في منطقة غلاف القدس (البلدات الواقعة خلف جدار الفصل: كفر عقب، مخيم شعفاط وضاحية السلام) في وصفها للحياة في مخيم اللاجئين بعد انتهاء الطوق الذي فرضه عليه الجيش الإسرائيلي بعد مقتل الجندية نوعا لازار على حاجز قريب من المخيم. "ما زالوا يعملون فقط على إخلاء النفايات المتراكمة في مخيم شعفاط أثناء فرض الطوق".
الحواجز على الطرق بين المخيم وبين المدينة مفتوحة حقاً، غير أن الاكتظاظ الكثيف على الحاجز يعيق الحركة. "إحدى الموظفات لدي اضطرت للانتظار ثلاث ساعات إلى أن أتيح لها الوصول من المخيم إلى حاجز قلنديا (الحاجز الفاصل بين المخيم والمدينة". الطوق الذي فرضه الجيش انتهى بعد خمسة أيام وفي يوم الأربعاء (19/10) قُتل عدي التميمي، مُنفذ العملية أثناء محاولته تنفيذ عملية أخرى.
"هناك فجوة بين ما يُقرأ في شبكات التواصل الاجتماعية بشأن الاحتفالات المزعومة وبين الواقع على حقيقته"
حالة الحركة في المخيم تعكس مزاج سكانه. "الجميع متعبون"، هذا ما قالته نادرة جبر. "حالة السكان النفسية كئيبة. هناك فرق بين ما نقرأه على شبكات التواصل الاجتماعية عن احتفالات مزعومة وبين الواقع على حقيقته". شجارات تنشب بين الناس على أمور روتينية يومية، هكذا تصف الأمر وتخشى أن تتصاعد الشجارات بسرعة لتصبح حالات قتل.
السكان أصابهم الارتباك ولا يدرون ما العمل. أناس لا يستطيعون تخطيط يومهم أو أسبوعهم. أولاً يحسبون ما إذا كان الحاجز مفتوحاً أم مغلقاً. إنهم لا يصدقون أن الحياة عادت إلى مسارها الطبيعي. وهناك خشية من أنشطة سرية في البلدة"، هذا ما قالته نادرة جبر.
إلى جانب ما يشعر به السكان من انعدام اليقين والخشية مما تحمله الأيام القادمة، ففي كل بيت رابع أو سادس هناك معتقلين أو ممن تلقوا استدعاءات للتحقيق. كل شيء تغير. يصعب التعامل مع هذا الواقع. إنهم يخشون من أن أمراً ما قد يحدث، أن تقتحم قوات الأمن المخيم يصعب أن نقول لهم بان الحياة عادت إلى طبيعتها".
"يريدون العودة إلى روتين العمل الذي كان قبل أسبوعين"
تحدثت نادرة جبر عن تراجع اقتصادي مستمر "تضرر الرزق، بعض الناس خسروا أيام عمل، بل وخسروا أماكن عمل. هذا ليس مجرد منع تجول لبضعة أيام". والعودة إلى الدراسة كذلك مصحوبة بمتاعب ومشقات كثيرة. وقالت لنا جبر أن منتدى الإدارة الاجتماعية ووزارة التربية وقسم الإنعاش الاجتماعي قرروا إعادة التلاميذ إلى مقاعد الدراسة مع تشغيل خط هاتفي للطوارئ لتقديم المساندة النفسية. "عادت الدراسة إلى الانتظام لكن هناك غيابات كثيرة، وخاصة التلاميذ الذين يدرسون في مدارس خارج المخيم. تقرر أن تستمر المدارس الواقعة خارج الجدار في التعليم بواسطة الزوم". وعلى حد تعبيرها فإن التلاميذ الذين يعودون إلى مقاعد الدراسة يتلقون معاملة سيئة من زملائهم من غير سكان المخيم. "الأطفال في المدرسة ينعتوهم بألقاب ويتهمونهم بأنهم سبب هذا الوضع. هناك فروق طبقية في الصف".
"في الإدارة الجماهيرية هناك موظفين جماهيريين على تواصل مع الجماهير. نحن نطلب منهم عدم التردد في مراجعتنا"، هذا ما قالته نادرة جبر عن عملها في الإدارة الجماهيرية. "ليس بوسعنا تلبية كافة الاحتياجات، فهناك أمور كثيرة تتعلق بالحاجز، إذا كان مفتوحاً أم مغلقاً. حين تكون هناك أعمال أمنية فنحن لا نؤثر. السكان لا يتوجهون إلينا كثيراً. التوجهات موضوعها الحاجز أو لمساعدة مالية أو نفسية"
"لا أرى أي عمل ملحوظ حيال هذا الوضع. داخل الأحياء هناك مديرية جماهيرية فتحت أبوابها قبل يومين. الكثير من مقدمي الخدمات لا يستطيعون الدخول إلى المخيم. بعض الموظفين استقالوا من عملهم بسبب عجزهم عن التعامل مع كم التوجهات الهائل. كل من يعمل يحاول العودة إلى الحياة الروتينية. الآن يعملون على مدار 24 ساعة فقط لإخلاء النفايات. نحن نريد العودة إلى الروتين الذي كان قبل أسبوعين". وتقول جبر أن موظفي الشؤون الاجتماعية يتواجدون في مركز يقع في حي شعفاط (حي داخل الجدار). وهم على اتصال مع نشطاء اجتماعيين وموظفين من المديرية الجماهيرية الموجودين في أحياء وراء الجدار. "لا يمكن إدخال فرق عمل إلى المخيم لأن ليس من المؤكد أن يكون بوسعهم الخروج منه في نفس اليوم".
"الشبيبة لا يطيقون أكثر من هذا الاختناق"
نادرة جبر، خبيرة تربوية سابقاً قلقة جداً إزاء وضع الشبيبة في المخيم. "لا يمكن للشبيبة تحمّل الاختناق أكثر من ذلك. يجب إعطائهم حريتهم. لو كانت لدي ميزانية لكن أرسلتهم في رحلة لبضعة أيام. الشبيبة يتأثرون من كل الجوانب. الأهل لا يخرجون إلى العمل وهناك ضغط من الأهل في البيت. الشبيبة لا يمكنهم أن يتعلموا وهم يشاهدون الألم. الشبيبة يرون جميع الأطراف ويتأثرون بالأخبار. لديهم آراء لكنهم لا يستطيعون التعبير عنها. إنهم بحاجة إلى متنفس كبير. إنها عائلات شابة. والمخيم ليس بالمكان المريح الذي توجد فيه متنزهات، إنه مكان مكتظ للغاية. والمدرسة هي المتنفس الوحيد. الوضع صعب للغاية. نحن نريدهم أن يكونوا منضبطين، لكن كم من الانضباط يمكنك أن تطلب ممن يقبع في قفص كبير وكم بوسعك أن تطلب منه أن يتصرف بشكل طبيعي".
وبحسب ما تراه نادرة جبر فإن الأمر الأكثر إلحاحاً هو تخفيف ضائقة الشبيبة. "الوضع الآن يتطلب عملاً كثيراً وأدوات كثيرة ومساندة نفسية ويجب فتح الحاجز وإتاحة الحركة بحرية".