صوت ألعمال في إسرائيل
menu
يوم السبت 4 أيار 2024
histadrut
Created by rgb media Powered by Salamandra
ألأخبار

المربي الإنساني الفذ الذي صار مذهبه التربوي في طي النسيان: 70 عاماً على رحيل خليل السكاكيني

حُريّة للطلاب ربط الجسد بالنفس والتربية الديمقراطية- ناضل المربي خليل السكاكيني من أجل التربية العربية المنفتحة في البلاد| الباحث في مذهبه التربوي، كمال موعد: "نحن بحاجة إلى مذهبه في مثل هذه الأيام العصيبة. جوهر مذهبه هو الإنسانية وحب الإنسان والسعي لإصلاح المجتمع من خلال التعليم"

ח'ליל אל-סכאכיני ברקע הבית שבו התגורר בירושלים (צילומים: נחלת הכלל, אור גואטה)
في فناء البيت الذي عاش فيه خليل السكاكيني في القدس. " وضع المدرسة كوسيلة لإشفاء المجتمع" (صور: ملك الجميع، أور جويتا)
بقلم ينيف شرون

يُوضّح كمال موعد الذي بحث مذهب خليل السكاكيني ذلك المربي الذي ناضل من أجل قومية عربية وثقافة عربية في دولة إسرائيل: " إن دور المدرسة تجاه المجتمع المتعب والفاسد هو أولاً وقبل كل شيء إشفاء المجتمع. السكاكيني كان يبحث طيلة حياته عن المعلم ألجدير والطالب الجدير وكذلك المدرسة الجديرة. كان يعتقد أن المجتمع سيتعافى فقط من خلال بين هؤلاء الثلاثة".
يقو الباحث موعد إن السكاكيني كان ناقداً للمجتمع العربي. " لقد اعتبره مجتمعاً بدائياً ومشبعاً بالمعتقدات القديمة التي أكل عليها الدهر وشرب وتفكيره غير عقلاني. كان يمتعض من القذارة في الشوارع. كان يطمح لإطلاق ثلاثة مشاريع ليتغير من خلالها المجتمع العربي، وهي: المدرسة التي تُطبق فيها مبادئ التربية الديمقراطية الإنسانية؛ وصحيفة حُرة وديمقراطية ومنفتحة والتي لتكون منبراً للمثقفين الشجعان؛ ومنظمة شبابية غير سياسية، إنما اجتماعية ومتعددة الثقافات ومشتركة للمسيحيين والمسلمين".
ولد السكاكيني في عام 1878 وحين كان في الخامسة عشرة من عمره بدأ ممارسة مهنة التدريس. وباعتباره ابنًا لعائلة مسيحية أرثوذكسية في القدس، فقد لعب دورًا رئيسيًا في ثورة المؤمنين العرب ضد رجال الكهنوت اليونانيين. وكما حدثنا عنه موعد: " لقد أصيب بخيبة أمل من رجال الدين وأعتبرهم استغلاليين وفاسدين، وقد أعلن أنه ليس مسيحياً ولا مسلماً، إنما إنسان. وقد كتب السكاكيني على بطاقته التعريفية " إنسان، إن شاء الله"، وهذا هو أيضاً عنوان الكتاب الذي ألفه الباحث موعد وتناول فيه مذهبه التربوي (منشورات معهد بن غوريون لدراسة إسرائيل والصهيونية، 2018).

مدرسة بلا امتحانات ولا واجبات بيتية وبلا تسجيل حضور

في ظل الحكم الاستبدادي للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني، كان الجهاز التربوي مؤلفاً من المدارس الخاصة التابعة للكنائس أو القنصليات ومدارس ثانوية حكومية. وكانت ميزة تلك المدارس الانضباط الصارم والتلقين للحفظ عن ظهر قلب. وكما حدثنا عنه الباحث موعد: " كان حلم السكاكيني إقامة مدرسة تقدميّة، وعند إعادة الدستور في عام 1908، انتهت الرقابة وباتت الفرصة سانحة لهذا الأمر". أسس السكاكيني المدرسة "الدستورية" بصفتها مدرسة خاصة وحُرة من أجل تطبيق ومعاينة مذهبه التربوي الذي استلهمه من جون ديوي وبرتراند راسل ومن أ. س. نيل.

خليل السكاكيني ( الثاني الجالس على اليسار) في المدرسة الدستورية التي أسسها. "كان يرى أن أصل الإنسان طيب بالفطرة، وأن دور المدرسة هو إعادة الطالب إلى طبيعته الأصلية" (صورة: مُلك الجميع)
خليل السكاكيني ( الثاني الجالس على اليسار) في المدرسة الدستورية التي أسسها. "كان يرى أن أصل الإنسان طيب بالفطرة، وأن دور المدرسة هو إعادة الطالب إلى طبيعته الأصلية" (صورة: مُلك الجميع)

"لم يكن في المدرسة امتحانات أو واجبات بيتية ولا تسجيل للحضور. كانت فيها إدارة مشتركة للمعلمين والطلاب. وكانت متعددة الثقافات، حيث درس فيها المسلمون والمسيحيون واليهود. وكان فيها حوالي 80 طالباً، وهو عدد مثير للإعجاب في ذلك الوقت، ولم يكن فيها غياب تقريباً. وكان الطلاب يدفعون. وقام بتخفيض الرسوم الدراسية إلى الحد الأدنى بفضل تبرعات عائلة الحُسيني. واستطاع أن ينافس المدارس التبشيرية".
يضيف الباحث موعد الفلاسفة روسو ومونتيسوري إلى قائمة المفكرين التربويين الذين استوحى السكاكيني منهم الإلهام. "كان يتجول مع طلابه في جبال القدس مرة كل أسبوع أو أسبوعين. كان يعتقد أن الطبيعة تطهر روح الإنسان، وأن الإنسان طيّب بأصله، وأن دور المدرسة هو إعادة الطالب إلى طبيعته الأصلية. هذا مبدأ تقدمي قلما نراه اليوم. إنه يجعل المدرسة وسيلة لشفاء المجتمع ونقده."
في عام 1917، مع وشوك الاحتلال البريطاني لمدينة القدس، أُغلقت المدرسة أبوابها بسبب عدم حضور الطلاب. وفي الوقت نفسه، تم اعتقال السكاكيني لأنه قام بإيواء "ألتر ليفين"، وهو يهودي يُشتبه بأنه جاسوس والسلطات تلاحقه للقبض عليه.
وفي عهد الانتداب البريطاني اندمج السكاكيني في مديرية التربية بصفته مفتشاً على تدريس اللغة العربية. قام بتأليف العديد من كتب تعليم اللغة العربية التي تم توزيعها في مصر ولبنان والأردن والعراق. وكان السكاكيني يمارس الرياضة كل صباح ويستحم بالماء البارد. "خلال زياراته للمدارس، كان يفتتح اللقاءات مع الطلاب بثلاثة أسئلة: هل مارستم الرياضة اليوم؟ هل استحممتم؟ هل قرأتم أي شيء اليوم؟ وهذا رمز لإدراكه ومفهومه للارتباط بين الجسد والنفس في هيئة واحدة."
وعندما تقاعد السكاكيني أسس مدرسة النهضة الثانوية في القدس. يقول الباحث موعد: "كانت المدرسة مفتوحة للجميع، وكانت رايتها التعددية الدينية والاجتماعية. وكان لمجلس الطلاب دور مهم في إدارة الشؤون اليومية للمدرسة. وقد أطلق على المدرسة اسم "مصنع الرجال" (مصنع للأشخاص النبلاء). وكان هدفه خلق خريجين أقوياء، واثقون بأنفسهم، ومثقفين، وقادرون على حب الآخر والعمل والاحتواء، أصحاب مبادئ".
كالعديد من أبناء جيله، سافر السكاكيني إلى الولايات المتحدة عام 1908، وهناك انكشف لأول للثقافة الغربية. "كان يقدر الثقافة الغربية. كان مفتونا بنيتشه وراسل، بفكرة الرجل الخارق، الذي يصمد في كل الظروف ويتشبث بمبادئه. أرسل ابنه ساري للدراسة في الولايات المتحدة. وكان ينتقد الحياة اليومية في الغرب. كتب عن امتعاضه من الثقافة الغربية، من اللهاث وراء الملذات، ومن الفساد والمادية والانحلال الأخلاقي. وتساءل كيف يمكن لثقافة أنتجت أناساً عظماء مثل نيتشه ورسل وأينشتاين أن تلد ثقافة بهذا القدر من الانحطاط والتوحش".
وأمام هذه الصورة للثقافة الغربية، اختار بعض الشباب العرب العودة إلى الإسلام كحل للصعوبات الحالية. "وقال السكاكيني إن المجتمع العربي في عصره مريض، وكل أمم العالم أكثر منه تطوراً، وكان قد قرأ عن الإسلام والمسيحية، وأكنّ كل التقدير لأبطال التاريخ العربي، وكان يرى أن التعليم هو الحل وليس الدين. لقد كان شخصاً علمانياً. وكانت هذه مهمته ورسالته للمجتمع".
يقول الباحث موعد: "دخل السكاكيني السياسة عام 1917. وانضم إلى معسكر الأمير فيصل (ابن الشريف حسين أمير وقائد الجيش العربي الذي ثار ضد الأتراك). وكانت له وجهة نظر عربية شاملة وقومية عربية. وفي كل محطات حياته كان يربي الأجيال على فكرة الأمة العربية، وعندما أعطى درسا نموذجيا للمعلمين، ادعى أن كل قضية يجب أن ترتبط بالتاريخ والقومية العربية، ودعا إلى حب الوطن والولاء للوطن. وقد استقال من منصبه في كلية المعلمين في القدس احتجاجاً على تعيين اليهودي هربرت صموئيل مندوباً سامياً".
وكان السكاكيني على علاقة جيدة مع القادة الفلسطينيين وعلى رأسهم الحاج أمين الحسيني. "في ثورة 1936-1939، كتب ضد غياب قيادة موحدة للفلسطينيين. كان يعرفهم جميعا ويعرف الصراع بينهم، ودعا إلى توحيد الصفوف. وهاجم البريطانيين بسبب سياساتهم. وكتب عن حرب 1948، عن هروبه إلى القاهرة وخيبة أمله الكبيرة لعدم تمكنه من العودة، وكان أمين سر حكومة كل فلسطين في غزة (حكومة شكلها الحاج أمين الحسيني بعد 1948 –). ورأى أن الجهد لن يؤدي إلى النتائج المرجوة، فتخلى عن العمل السياسي".
وإلى جانب مشاعره الوطنية ومعارضته للصهيونية، كتب السكاكيني في مذكراته في خضم المعارك في القدس وفي حي القطمون، حيث كان يسكن: "لقد زارنا هذا الأسبوع أبو موسى عبد القادر الحسيني (قائد لواء القدس). ورأيت أنه من المناسب أن ألفت انتباهه إلى قواعد الحرب التي يجب الالتزام بها في كل زمان ومكان: يجب رعاية الجرحى، ومعاملة الأسرى معاملة حسنة. ولو كان بمقدوري أن أقول ما أعتقد حيال هذا الموضوع لقلت: ردوا سيوفكم إلى غمادها ولا تقاتلوا أحداً؛ هناك مساحة كافية في العالم للجميع".

أبو النهضة التربوية في البلاد

معظم أعمال السكاكيني لم تنج. "لقد حطمت النكبة كل شيء. لقد كانت زلزالاً هائلاً. فما عدا عدد قليل من المدارس التي تحمل اسمه ومركز ثقافي، كانت هناك عدة محاولات لتأسيس مدارس خاصة صغيرة. نحن نعيش في مجتمع مادي يقدر العلم والإنجازات. لا يوجد تربية للتعددية وللقيم وللإنسانية. نحتاج إلى مذهب السكاكيني في أوقات الصراع. جوهر مذهبه هو الإنسانية، حب الإنسان لكونه إنسانا، مطالبته بإصلاح المجتمع من خلال التربية، لأن التربية هي الحل."
ا

البيت الذي سكن السكاكيني في القدس. " حبذا لو يتخذوا مذهبه التربوي ويطبقوه، ويهتموا به، ويعطوه أهميته" (تصوير: أور جويتا)
البيت الذي سكن السكاكيني في القدس. " حبذا لو يتخذوا مذهبه التربوي ويطبقوه، ويهتموا به، ويعطوه أهميته" (تصوير: أور جويتا)

البروفيسور قصي حاج يحيى من كلية بيت بيرل، والذي أسس برنامج الماجستير في دراسات التراث العربي، يشعر بالأسى لأن السكاكيني شبه مجهول اليوم. "مذهب السكاكيني مهم جداً في الشأن التربوي وأيضاً في أمور الأخلاق وإشراك الوالدين وغيرها، وللأسف المدارس لا تتعامل مع هذه الأمور إطلاقاً، إلا إذا كان هناك معلمون يقومون بذلك بشكل غير رسمي خارج المناهج الدراسية. من حيث المضمون، لا أرى أن السكاكيني موجود في المدارس، مع أنه تربوي وأبو النهضة التربوية في إسرائيل، وأتمنى أن يأخذوا مذهبه التربوي ويطبقوه، ويهتموا به، ويعطوه أهميته."
ينصح الحاج يحيى كل مدير مدرسة بمراجعة كتاباته. "يمكن لهذه الكتب أن تقدم مساهمة كبيرة للتربية ولإنسانية التربية، حيث يصبح التعليم أكثر حيوية. أتمنى أن نتمكن من إدخال هذه القضية في التربية العربية. هناك العديد من العناصر التي يمكن أن تساهم في التدريس والتربية. مدير المدرسة اليوم لديه أشياء كثيرة على عاتقه، خاصة "العنف الذي يدخل المدارس ويؤثر على أمن المدرسة وميزانياتها والبنية التحتية. لكني أنصح بإدخال تراث السكاكيني إلى المدرسة".

اشترك في النشرة الإخبارية الشهرية
من خلال التسجيل، أقرّ بقبول شروط استخدام الموقع