صوت ألعمال في إسرائيل
menu
يوم الثلاثاء 7 أيار 2024
histadrut
Created by rgb media Powered by Salamandra
ألأخبار

"قطاع غزة تم إنشاؤه كمنطقة بلا منطق جغرافي وبلا قدرة على بناء الاستقلال الاقتصادي"

تم عزل البلدات العربية في قطاع غزة عن محيطها عام 1948، واستوعبت لاجئين، ما ضاعف عدد سكانها أربع مرات | الحكومة الإسرائيلية زادت من اعتماد غزة الاقتصادي على إسرائيل ومنظمات الإغاثة الإنسانية، وحكومة حماس أدت إلى تفاقم التدهور الاقتصادي | الباحثان د. دوتان هاليفي ود. حاجي أتيكس يرسمان صورة اجتماعية واقتصادية للماضي والحاضر في قطاع غزة، الذي بات مستقبله غير واضح بعد هجوم حماس

תמונה של רצועת עזה משנות ה-60 (צילום: בוריס כרמי, צלם 'דבר', מתוך אוסף מיתר של הספרייה הלאומית)
صورة لقطاع غزة من سنوات الستينات (تصوير: بوريس كرمي، مصور صحيفة "دافار"، مأخوذة من مجموعة "ميتار" في المكتبة الوطنية)
بقلم ينيف شرون

ألهجوم الذي نفذته حماس والمذبحة الجماعية التي وقعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول شكل مرحلة جديدة في التاريخ، ليس فقط بالنسبة لإسرائيل، بل وأيضاً بالنسبة لقطاع غزة وسكانه الذين يبلغ تعدادهم 2,2 مليون نسمة. إن مستقبل المنطقة التي تبدلت السيطرة عليها على مدى المائة عام الماضية ما بين الإمبراطورية العثمانية والمملكة البريطانية ومصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية وحماس، بات الآن ضبابياً.
في هذه الأيام التي تشهد حرباً قاسية وأزمة إنسانية، حيث يبدأ العالم وإسرائيل بمناقشة مستقبل غزة، يُكتب فصل جديد في تاريخ القطاع، فصل ليس من الواضح كيف سينتهي. إن نظرة إلى تاريخ القطاع تكشف كيف تم إنشاؤه كمنطقة متميزة تعاني من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وتشكل أرضية لنمو اليأس العميق بين السكان المدنيين.
الباحث في شؤون الشرق الأوسط، الدكتور دوتان هاليفي، من معهد فان لير، وهو باحث مختص بقطاع غزة، قال لصحيفة "دفار" إنه "عشية الحرب الحالية، كان يعيش في غزة نحو 2.2 مليون نسمة، تم تحديد 1.6 مليون منهم "كلاجئين من قبل الأونروا، وهذا يعني أنهم من نسل اللاجئين. منذ البداية، تم إنشاء قطاع غزة كأرض مليئة باللاجئين الذين انقطعوا عن مصادر رزقهم واتصالاتهم الاجتماعية. وهذا عامل حاسم في تشكيل المجتمع الغزيّ."
مركز إغاثة المجتمع العربي: "هناك روتين وحياة عادية في البلدات، المشكلة هي في أماكن الاحتكاك"
في عام 1947، كان يعيش في غزة وفي القرى والبلدات المحيطة بها ما بين 60 ألف إلى 70 ألف شخص، أي في المنطقة التي تسمى الآن قطاع غزة. كان سكان المنطقة يعتاشون بشكل رئيسي من زراعة الشعير وتسويقه إلى أوروبا. وحتى في ذلك الوقت كانت قد انتهت أيام عظمة غزة كمدينة تجارية ومحطة للمهاجرين وصارت من الماضي.
أدت اتفاقيات الهدنة بين إسرائيل ومصر في عام 1949 إلى جعل قطاع غزة منطقة متميزة، كما عزلت مدينة غزة عن مناطقها الزراعية النائية. وفي الوقت نفسه، دخل إلى القطاع حوالي 200 ألف لاجئ، مما زاد عدد سكانه أربعة أضعاف. ومنذ ذلك الحين، أصبح معظم سكان القطاع أصلهم ونسلهم من اللاجئين.

"اللجوء صار عنصراً من عناصر الهوية وليس فقط حالة اجتماعية"

ولمعالجة هذه المشكلة أنشأت الأمم المتحدة في عام 1948 وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، الأونروا (UNRWA). يقول هاليفي: "توفر الأونروا الغذاء الأساسي والتعليم، وتوظف السكان المحليين للعمل في مؤسساتها".
والأونروا تابعة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ولكنها منفصلة عنها وتركز فقط على السكان الفلسطينيين. وخلافاً للطريقة التي تعاملت بها الأمم المتحدة مع اللاجئين في القرن العشرين، فقد اعترفت أيضاً بنسل لاجئي عام 1948 كلاجئين. وتعتمد ميزانية الوكالة على البلدان التي تساهم فيها، وفي المقام الأول الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي. تعرضت الأونروا لانتقادات بسبب دورها في الحفاظ على وضع اللاجئين، وتوفير المأوى والتعاون مع قيادات حركة حماس.
شرح الباحث قائلاً "عندما تأسست الأونروا، لم يكن هناك تعريف قانوني للاجئ،"، "لقد أنشأت الأونروا تعريفًا عمليًا: أي شخص فقد القدرة على الكسب وعاش في فلسطين الانتدابية لمدة عامين على الأقل قبل عام 1948، يحق له الحصول على خدماتها. تقول الأونروا أن ولايتها مؤقتة وتعتمد على حل الصراع في الشرق الأوسط، كما حددته الأمم المتحدة – وهو حل متفق عليه لقضايا القدس والحدود واللاجئين. ومن وجهة نظر الأونروا، ما دام النزاع لا ينتهي، فهي ملزمة بمواصلة تقديم الخدمات لنسل اللاجئين". ويضيف هاليفي إن اللجوء "أصبح عنصرا من عناصر الهوية وليس مجرد وضع اجتماعي واقتصادي".
في بداية الأمر تم إيواء اللاجئين في مخيمات اللاجئين مثل جباليا والشاطئ، والتي تحولت فعلياً إلى مناطق عشوائية في أطراف مدن قطاع غزة. يقول هاليفي: "لقد أصبحت الاختلافات بين اللاجئين والسكان المحليين غير واضحة، ولم يبق جميع اللاجئين في المخيمات على مر السنين، وتشكلت روابط اجتماعية بين المجموعات. لكن التشخيص لا يزال موجودًا على مستوى الهوية. كل شخص يعرف من أين أتت عائلته."
لقد ضعف التمييز بين نسل اللاجئين ونسل السكان الأصليين بشكل أكبر في العقدين الماضيين: "ربما كان لدى السكان الأصليين أرض، ولكن في ظل الحصار والحروب، نشأت تجربة مشتركة لكلا المجموعتين".

"إسرائيل فعلت كل ما بوسعها لإبقاء اقتصاد غزة معتمداً عليها"

يشرح هاليفي: "لقد تم إنشاء قطاع غزة كمنطقة بدون منطق جغرافي ودون قدرة على الاستقلال اقتصادياً، في عام 1948 لم تكن الموارد داخل القطاع كافية لإعالة السكان. وتم عزل معظم أصحاب الأراضي عام 1948 عن بعض أراضيهم الممتدة شمال النقب إلى بيت جبرين".
خلال الأوقات التي فتحت فيها إسرائيل أبوابها للعمل من غزة، استفاد العديد من سكان غزة من ذلك، ولكن في الوقت نفسه أصبح اقتصاد غزة يعتمد بشكل كبير على إسرائيل. "كان العمل في إسرائيل عاملاً حاسماً. في ذروة التشغيل عمل ما بين 25 إلى 30 ألف عامل من غزة في إسرائيل. وكان دخلهم محسوسًا في جميع أنحاء القطاع. وبذلت إسرائيل كل ما في وسعها لجعل اقتصاد غزة يعتمد عليها – فقد حدت من التنمية الاقتصادية في غزة، وفي الوقت نفسه فتحت أبوابها أمام العمال. وقد تم تصميم سياسة الباب المفتوح للسماح بالرفاهية الاقتصادية دون تنمية اقتصادية".
ويقول الدكتور حاجي أتيكس من معهد دراسات الأمن القومي إن عصر حماس اتسم بالتدهور الاقتصادي، "ولقد تآكل أساس الإنتاج في غزة منذ 15 عاما، منذ وصول حماس إلى السلطة. الاستثمارات في الإنتاج منخفضة إلى حد العجز في الاستثمارات، أي أن الاستثمار أقل من استهلاك وتآكل آلات الإنتاج. وبالإضافة إلى ذلك هناك قيود على استيراد المواد الخام. ولذلك فإن الإنتاج المحلي للاستهلاك محدود. هناك إنتاج تقليدي للمنسوجات والزراعة." ووفقا لأقواله، في السنوات 2007-2009، بدأ التحول في التركيز على التوظيف في صناعات الخدمات. وفي السنوات الأخيرة، تزايدت مشاريع تكنولوجيا الهايتك الصغيرة.

فلسطينيون يحصلون على حصة غذائية شهرية في مركز الإغاثة التابع للأونروا في رفح، 8 مايو، 2018 ( Abed Rahim Khatib/Flash90)
فلسطينيون يحصلون على حصة غذائية شهرية في مركز الإغاثة التابع للأونروا في رفح، 8 مايو، 2018 ( Abed Rahim Khatib/Flash90)

قبل الحرب كانت نسبة البطالة في قطاع غزة 47%، ونسبة المستفيدين من المساعدات الإنسانية 80%، ومنهم نحو 100 ألف أسرة تحصل على 100 دولار من قطر شهريا.
وبحسب أقوال هاليفي، "في ظل الحصار، هناك تصدير محدود للغاية، ولا يوجد استيراد حر". ويوضح أن الطبقة الوسطى في غزة بنت نفسها على أساس ملكية الأرض أو من خلال الاندماج في المؤسسة والخدمة العامة. وهكذا أصبحت الأونروا، وبشكل أكثر تحديدًا حماس، قنوات للتقدم الاجتماعي.

"كان عمر نصف السكان عامين على الأكثر عندما وصلت حماس إلى السلطة"

وفي عام 2007، سيطرت حركة حماس على غزة خلال مواجهة عنيفة مع فتح، وذلك بعد فوزها بنسبة 40% من الأصوات في انتخابات السلطة التشريعية الفلسطينية عام 2006. يقول هاليفي: "معظم الدعم لحماس يأتي من سكان غزة، إن الحركة تنمو بين اللاجئين. حماس، وفقا لتقاليد عمل جماعة "الإخوان المسلمين"، تقدم الخدمات الاجتماعية لسكان يعانون أوضعاً معيشية صعبة مثل المدارس والعيادات والنوادي الاجتماعية.
في الواقع، تم إنشاء نظامين متوازيين للتعليم والرعاية الاجتماعية في قطاع غزة: أحدهما تابع لـ الأونروا، والآخر تابع لحماس. "هناك توتر معين بين الأونروا وحماس. من المفترض أن توفر مؤسسات الأونروا التعليم الشامل ولا ينبغي أن تكون بمثابة مأوى لحماس. السياسة الرسمية لـ الأونروا هي تجنب التعاون مع حماس، وهي تعمل دون دعم حكومي".
ومن الناحية العملية، فإن الواقع أكثر تعقيدا. بعض موظفي الأونروا هم من عناصر حماس، والتعليم في مدارس الأونروا لا يعزز بالضرورة القيم الليبرالية والعالمية.
ويؤكد هاليفي أن "متوسط العمر في قطاع غزة يبلغ حوالي 18 عامًا، أي أن نصف سكان غزة كانت أعمارهم على الأغلب سنتين عندما وصلت حماس إلى السلطة. و70% من سكان غزة هم تحت سن 30 سنة. الأشخاص الذين عرفوا إسرائيل هم البالغين نسبيا".

جيل الشباب في غزة: "لا يستطيعون الخروج، لكن يمكنهم الوصول إلى كل شيء عبر الهاتف"

لقد أثر الواقع القاسي في غزة على الحالة النفسية للسكان حتى قبل الحرب. نشرت منظمة "جيشا" تقريرا منذ أيلول 2022 عن الصحة النفسية في غزة، من معالجين ميدانيين. ويقول قصي أبو عودة، مدير العلاقات الخارجية وتنمية الموارد في برنامج الصحة النفسية في غزة: "هناك ما لا يقل عن 300 ألف شخص في غزة يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة، وربما أكثر من ذلك بكثير".
يوضح أسامة فرينه، أخصائي نفسي في برنامج الصحة النفسية في غزة، أن "الضغط النفسي المستمر يؤدي إلى اضطرابات قلق شديدة ويلحق المزيد من الضرر بنوعية الحياة التي لا تزال في غزة بعيدة عن تلبية المعايير الدولية المقبولة. يمكن أن يتخذ القلق أحيانًا شكل الألم والمعاناة الجسدية. غالبًا ما تؤدي المعاناة الجسدية والإحباط واليأس إلى الاكتئاب العميق، ويتم التعبير عنها أيضًا للأسف في زيادة معدلات الانتحار."

مجموعة من المتزلجين الغزيين في منتزه تزلج في قطاع غزة، 2019 (REUTERS/Dylan Martinez)
مجموعة من المتزلجين الغزيين في منتزه تزلج في قطاع غزة، 2019 (REUTERS/Dylan Martinez)

ويصف هاليفي التجربة الحياتية لجيل الشباب في قطاع غزة، المنكشفون للعالم من خلال شبكة التواصل دون أن يتمكنوا من التحرك جسديًا فيه. ويقول: "إن جيل الحصار هو جيل الإنترنت، فمن ناحية، لا يمكنهم الخروج، ومن ناحية أخرى، لديهم إمكانية الوصول إلى كل ما يحدث عبر الهاتف".
على الرغم من التعليم الديني ومعدلات البطالة المرتفعة بشكل خاص بين الشباب (47% بين عموم السكان و56% من الشباب حتى سن 35 سنة – بيانات قبل الحرب)، فقد تم تنفيذ العديد من المبادرات المدنية في غزة. بعضها يتعلق بالثقافة الترفيهية، مثل فريق كرة القدم للفتيات الذي يدربه آلاء العمور (27 عاما)، وفرق السباحة التي أنشأها محمد مهرة (42 عاما)، وبعضها ذو طابع تجاري مثل أعمال ياسر أوسيت (21 عاما) في صناعة الأطراف الصناعية.
يقول هاليفي: "بعض المبادرات التي تمت في السنوات الأخيرة ربما كانت ضد حماس، أو على الأقل لا تروق لحماس".
إحدى المبادرات في غزة هي موقع "WEARENOTNUMBERS " حيث يشارك شباب غزة تجاربهم وأحلامهم وأفكارهم. يقول هاليفي: "هؤلاء أناس يمكنك التعاطف معهم. إنهم يريدون أن يعيشوا ويرسموا ويعملوا ويعزفوا، وليس بالضرورة أن يكونوا إمام مسجد أو قاضي أو مقاتل".

 

اشترك في النشرة الإخبارية الشهرية
من خلال التسجيل، أقرّ بقبول شروط استخدام الموقع