"إذا ما نجحنا في أن نقنع الجمهور أن الحياة المشتركة هي قوة اجتماعية، فهذا لا يهم أي حكومة سوف تكون"

في مدخل مكاتب أجيك في بئر السبع ترفرف صورة فيفيان سيلفر رجمها الله، التي لقيت مصرعها في الـ – 7 من شهر تشرين الأول/ أكتوبر في بيتها في القرية التعاونية كيبوتس بئيري. كانت سيلفر من اللواتي أسسن أجيك والعمود الأساسي في المنظمة، التي تعمل على التعاون اليهودي – العربي في النقب وفي أنحاء البلاد. "عندما تلقينا خبرًا عن وفاتها، اجتمع هنا جميع العاملين والموظفين، جلسوا في مجموعات صغيرة وبكوا"، يقول خير الباز وهو يذرف دمعة. "هي جلبت الكثير جدًا من النور. عندما رأيتها، أدركت أنها تعمل من خلال الرغبة بأن يكون كل شيء جيدًا للجميع، مريحًا ولطيفًا".
الباز، رئيس أجيك وعامل اجتماعي في تأهيله، يوضح: "أجيك معناها باللغة العربية ‘أنا سأتوصل معك إلى حل وسط لصالحك‘. السؤال كيف نعيش هنا سوية هو سؤال يشغلنا منذ يومنا الأول". من نافذة مكتبه المتواضع تظهر سماء بئر السبع ملبدة بالغيوم. "لم نر ذات مرة في بناء حيز مشترك عملًا سياسيًا لليسار أو لليمين، وإنما عمل وجودي من أجلنا جميعًا، عملًا استراتيجيًا".
"منذ 20 عامًا ونحن نحاول أن نبني مجتمعات التي تلتقي من أجل الصالح المشترك. شعرنا أنه يجب أن يتم بناء حيز مشترك حقيقي. هذا لا يتم بناؤه من تلقاء نفسه، يجب علينا أن نبني ذلك. المجتمعات على وجه العموم لا تبحث عن الآخر، وهي تبحث عن المشابه لها. من أجل خلق شعور حقيقي لحيز مشترك حول مصالح مشتركة، يجب علينا أن نقوم ببنائه".

كيف يتم فعل ذلك في النقب، الذي المجتمعات فيه في ضائقة وتناضل من أجل الحصول على الموارد؟
"في كل مكان يوجد اختلافات في وجهات النظر ومصالح. الحكمة هي إيجاد سواء السبيل في النضال من أجل المصالح. إلى جانب الاختلافات في وجهات النظر توجد مواضيع ليس فيها اختلافات في وجهات النظر: جودة الحياة، المستوى الاقتصادي، الصحة، البنى التحتية، جودة البيئة. نحن لا ندعو إلى لقاء حول حبنا للحمص أو لقاء محبين. نحن نريد أن نخلق وضعًا الذي فيه كل الأطراف يمكنها أن تشخّص الواحد منها الآخر من مكان أكثر إنسانية".
كأحد سكان تل السبع وكأب لأولاد بالغين، فإن الباز واعٍ جدًا للخوف المتبادل بين المجتمعات. "المخاوف موجودة. السؤال هو ما هو مستوى الانكشاف. إلى أي مدى شاب بدوي منكشف على المجتمع اليهودي؟ متى ينكشف؟ هو ينكشف على المجتمع اليهودي في الحياة الاكاديمية أو في مكان العمل من دون تحضير مسبق. يأتي الشاب البدوي إلى لقاء مكثف، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى توترات.
" إلى جانب الاختلافات في وجهات النظر توجد مواضيع ليس فيها اختلافات في وجهات النظر: جودة الحياة، المستوى الاقتصادي، الصحة، البنى التحتية، جودة البيئة. نحن لا ندعو إلى لقاء حول حبنا للحمص أو لقاء محبين. نحن نريد أن نخلق وضعًا الذي فيه كل الأطراف يمكنها أن تشخّص الواحد منها الآخر من مكان أكثر إنسانية"
"الوضع اليوم في الكليات وفي الجامعات هو وضع لا يُحتمل، فالخوف في ذروته، التخوفات في ذروتها، يوجد هناك شعور بأن الآخر يهددني بشكل شخصي. إذا كان الأشخاص في تفاعل اجتماعي في الحياة الروتينية، أكثر انكشافًا وأكثر تواصلًا، في أوقات الطوارئ كان المجتمع أكثر تحصينًا. عندما يكون هناك بُعاد، وكل طرف يبني شخصيات وصورًا عن الآخر، القوة في مستوى متدنٍ".
الحوار العنيف في المجتمع الإسرائيلي يقلق الباز. "الجدالات التي لا نهاية لها تقود إلى زيادة في العنف. هذه جدالات التي تأتي من مكان ذي إشكاليات. رأيت إلى أي مدى لا يوجد تفسير لطرف واحد ما الذي يفكر به الطرف الثاني. الاستقطاب هو في داخل الفئات السكانية وكذلك أيضًا خارج الفئات السكانية. وهو يأتي من الانفصال".

الشباب اليهود ينكشفون لأول مرة على العرب عندما يتجندون في الجيش أو في الحياة الأكاديمية. الشباب العرب ينكشفون لأول مرة على اليهود في الحياة الاكاديمية أو في العمل. كيف يؤثر ذلك على العلاقات بين الشعوب؟
"كل سنة يوجد حوالي – 7,000 شاب بدوي أبناء جيل 18 عامًا. 10 % يأتون إلى الحياة الاكاديمية. في إسرائيل مَن يرغب في أن يندمج يجب عليه أن يدرس في التعليم العالي. ما يحدث لـ – ماذا يحدث لـ – 6,000 شخص الذين لا يأتون هو أن قسمًا منهم يندمجون في أعمال مؤقتة بأجر متدنٍ. وهناك مَن هم ليسوا كذلك. هذا ينشئ فئة سكانية من دون أفق في التعليم أو في التشغيل. عندما تلتقي مع من هو غير معروف، فإن التأجج يكون سريعًا. اللقاء العنيف هو ليس فقط في مواضيع سياسية".

" المال هو ليس المشكلة الوحيدة – يجب علينا أن نغيّر وجهة النظر"

أحد ميادين عمل أجيك هو التربية. في عام – 2014 تأسست منظمة الشبيبة "شبيبة أجيك". "من هو المسؤول عن التربية للشبيبة اليوم؟ من هو المسؤول عن التربية للقيم؟ توجد أزمة قيم صعبة جدًا. المدارس منشغلة بالتعليم، التربية والتعليم غير الرسمي تقريبًا غير قائم، توجد هناك مناطق كاملة في المجتمع البدوي التي لا يوجد فيها تربية وتعليم غير رسمي. السلطات المحلية بصعوبة تصمد".
الباز يوضح أن المجتمع العربي يمر بعمليات تغيير. "هذه فئة سكانية تقليدية بحيث أنها في فترة زمنية قصيرة انكشفت على الثقافة الغربية، على المجتمع الإسرائيلي. اللقاء لا يتم من خلال بناء مجمع دعم الذي يساعد الناس على التغيّر. لا توجد لديهم سلة استيعاب في الانتقال من ثقافة إلى ثقافة أخرى. الشخص الذي انشغل بالزراعة انكشف مرة واحدة على عالم كبير يتطلب تعليمًا، مهارات وقدرات غير موجودة لديه. الأدوات وتجربة حياتهم غير ملائمتين. طريق التنظيم صعب. ليس من الممكن أن نتوقع من مجموعة أقلية مثل هذه أن تتدبر بقواتها الذاتية. هي بحاجة إلى مساعدة، هي بحاجة إلى سيادة. كل عائلة بدوية ثانية تعيش تحت خط الفقر. الفوارق بين من يسكن في رهط وبين من يسكن في قرية فير معترف بها هي قط في شكل السكن، ليس في المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. مصادر الدخل ظلت متشابهة".

هل يمكن للخطط الخماسية أن تحسّن الوضع؟
"توجد هناك مدارس، توجد هناك مناطق صناعية، شاهدنا تغييرًا كبيرًا وهامًا في السنوات الأخيرة. إلا أنه بالمقارنة مع الاحتياجات فإن هذا لا يكفي. هذا ليس بجودة مُرضية. يجب أخذ جيل واحد والاستثمار فيه بشكل جدي من الرضاعة وحتى الثانوية العامة (البجروت)، هذا سوف يغيّر الواقع. 12 سنة من الاستثمار".

مدرسة في رهط. "يجب أخذ جيل واحد والاستثمار فيه بشكل جدي من الرضاعة وحتى الثانوية العامة (البجروت)" (تصوير: Romayan / ويكيميديا كونوس)

"إلا أن المال هو ليس المشكلة الوحيدة – يجب علينا أن نغيّر وجهة النظر. 200 ألف شيقل أخرى إلى مدرسة أو أرصفة إضافية تفيد، إلا أنها لا تحل المشكلة. يجب أن يكون هناك حل شامل الذي يتطرق إلى كل الطبقات. هكذا يتم تغيير الواقع. يجب أن ننظر إلى الصورة العامة".
في السنوات الأخيرة نمت في صفوف البدو طبقة رفيعة من الأشخاص الذين حسّنوا من وضعهم الاقتصادي. "هم لا يزالون فقراء، لأننا نعيش في مجتمعات وعلينا واجبات تجاه العائلة الموسعة، تجاه المجتمع. عندما نخرج من البيت المنظم، الرصيف في الخارج هو فقر. يجب علينا أن نغيّر ليس فقط واقع الفرد، وإنما الحيز، المجتمع".

كيف تنظمون لقاءات بين المجتمعات التي توجد بينها فجوات اقتصادية؟
"في أحد اللقاءات تحدثنا عن حالة الطوارئ، وقيل: ‘الأمر الذي يعمل في الحياة الروتينية، يعمل في حالات الطوارئ‘. لا يجب علينا أن نبحث عن لقاءات في فترات التوتر، وإنما في فترات تهدئة. ليس في أجواء الخوف، التوتر وحالة الطوارئ. اللقاء العربي – اليهودي في بئر السبع في سنوات التهدئة كان تقريبًا طبيعيًا".

" يجب خلق قيادة شابة التي تؤمن بإمكانية أن تعيش المجتمعات سوية. لسنا ملزمين بأن نوافق على كل شيء. نحن منشغلون بالتعرف على الواقع كما هو، ونتوقع منهم أن يفعلوا كما يفهمون من أجل خلق واقع أفضل".
"في أعقاب الأحداث في السنوات الثلاث الأخيرة (منذ أحداث شهر أيار / مايو 2021، خطة 550 وارتفاع العنف في المجتمع العربي – يانيف شارون)، بدأنا نفكر بتعاونات بين بلدات مجاورة، بين مجالس مجاورة. أبطأنا الوتيرة بسبب الانتخابات المحلية. نحن نتساءل كيف يتم بناء شراكات، كيف نخلق نشاطًا ثقافيًا مشتركًا. هذا ليس بالضرورة أن يعيش الواحد في داخل الثاني. نحن نحاول أن نبني حيزًا مشتركًا لنشاط رياضي وثقافي".
"ما قمنا بعمله حتى اليوم كان لطيفًا، إلا أن هذا كمن يقوم بنقل البحر في ملعقة. الآن يجب فعل ذلك بكميات كبيرة. ليست هناك طريقة للمحافظة على قوة المجتمع من دون الوصول إلى جميع المجتمعات. كما تمت إقامة طواقم طوارئ بلدية، يجب أن يكون هناك مجمع طوارئ اجتماعي، طاقم طوارئ بلدي اجتماعي".
"حيز مشترك هو ليس فقط حيزًا ماديًا وفيزيائيًا، ولكن هو كذلك ايضًا. المجمع التجاري (الكنيون) في بئر السبع هو حيز مشترك، على سبيل المثال. يأتي إليه يهود وبدو. كيف نحوّله إلى منفتح أكثر ومتقبل؟ يجب عليّ أن أعترف بأنه يوجد أمامي إنسان".

"ما قمنا بعمله حتى اليوم كان لطيفًا، إلا أن هذا كمن يقوم بنقل البحر في ملعقة. الآن يجب فعل ذلك بكميات كبيرة. ليست هناك طريقة للمحافظة على قوة المجتمع من دون الوصول إلى جميع المجتمعات. كما تمت إقامة طواقم طوارئ بلدية، يجب أن يكون هناك مجمع طوارئ اجتماعي، طاقم طوارئ بلدي اجتماعي".

كيف سيبدو ذلك بعد الحرب؟
"لم يكن هناك تماس مباشر بين المجتمعات في الـ – 7 من شهر تشرين الأول/ أكتوبر، إلا أنه توجد هناك أزمة ثقة. الشكل الذي تصرف به المجتمع العربي، الذي فهم الألم واحترمه، يزيد من التفاؤل. يجب أن يشعر الناس بأنه يوجد هناك مستقبل مشترك، بأننا سوية. هذا يتطلب تغييرًا في المعاملة والتفكير".
"يجب أن نعمل على الوعي العام. أنتجنا مقاطع فيديو، كيف يؤثر ما يحدث هنا على الجميع. يوم أمس ركضنا إلى المناطق المحمية في تل السبع مرتين. يجب أن نخلق فرصًا وأن نبني الثقة من جديد، كشف الفئات السكانية. لا يمكن أن نتوقع من شاب بدوي أن يعرف ماذا يحدث في المجتمع اليهودي عن تخوفاته وعن أحلامه".
"ما قمنا بعمله حتى اليوم كان لطيفًا، إلا أن هذا كمن يقوم بنقل البحر في ملعقة. الآن يجب فعل ذلك بكميات كبيرة. ليست هناك طريقة للمحافظة على قوة المجتمع من دون الوصول إلى جميع المجتمعات. كما تمت إقامة طواقم طوارئ بلدية، يجب أن يكون هناك مجمع طوارئ اجتماعي، طاقم طوارئ بلدي اجتماعي".

كيف يمكن أن يكون عمل على المدى الطويل ممكنًا في الوضع السياسي القائم؟
"القمح ليس بحاجة إلى الكثير من الماء. إذ يكفيه القليل من المطر في الموسم. ليست هناك حاجة إلى الكثير من الموارد. من أجل التأكد من أن رياح الصحراء لن تضر، يجب أن ننشئ دفاعات. دفاعاتنا هي الدعم الجماهيري. إذا ما نجحنا في أن نقنع الجمهور وأن نخلق وجهة نظر بأن الحياة المشتركة هي قوة اجتماعية، فلتكن هناك حكومة أيًا كانت، سوف ننجح. يجب أن نعمل على الوعي الجماهيري. هذا جزء من المهمة، أن نقنع أكبر عدد ممكن من الناس، بفضل أشخاص بأن نعيش في حيز آمن يقبلهم". في نهاية المحادثة، بدأ المطر يهطل.