الاقتطاع من ميزانيات المجتمع العربي بات ملموساً في أعمال المجلس المحلي في قرية مزرعة الواقعة على مقربة من مدينة نهاريا. "سأعمل على تقليل ساعات إنارة الشوارع ووقف سفريات نقل الأطفال إلى البساتين"، هذا ما قالته أمية الحاج، محاسبة المجلس المحلي. "بفضل منحة التعزيز التي تلقيناها السنة الماضية تم إخلاء مخلفات قص الأشجر والنباتات ثلاث مرات في الأسبوع بدل مرة واحدة. لا يمكنني الآن تقديم هذه الخدمة. سنعود إلى الوراء وسأتوقف عن تقديم هذه الخدمة".
يتعين على السلطة المحلية الآن إجراء موائمة في جزء من ميزانية التربية والرفاه التي تأتي من الحكومة، أي يتعين على السلطة أن تقوم بتمويل جزء من الخدمات لكي تقوم الحكومة برصد ميزانية لتلك الخدمات. وعلى حد ما جاء على لسان أمية الحاج فإن هذه الآلية تجعل من الصعب على السلطة المحلية تمويل فعاليات. "لقد قمت بتقليل أو وقف فعاليات في مجال التربية الرسمية وغير الرسمية. كذلك قمت بتقليص فعاليات القيادة والتعزيز للشبيبة. أما ميزانيات الرفاه فيتعين علينا دفع 25% من تكاليف الفعاليات. وإذا كان هناك اقتطاع من الميزانية فإن الموائمة المطلوبة مني ستكون بنسبة أكبر. اضطررنا للتنازل عن جزء من برامج العناية بالأسرة وبرامج العناية بالعلاقة بين الآباء والأطفال. وهناك أيضاً اقتطاع من ميزانيات منع العنف". خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي قُتل أحد سكان قرية المزرعة في المنطقة الصناعية المحاذية لمدينة عكا.
الحرب تسهم في مفاقمة الوضع. وبسبب البعد عن الحدود اللبنانية والذي لا يتجاوزن 11 كلم فإن سكان القرية لا يستحقون الحصول على ميزانيات بسبب حالة الحرب كما يحصل عليها جيرانهم في مدينة نهاريا. "75% من السكان ليس لديهم ملاجئ"، هذا ما قالته أمية الحاج، ثم أردفت "توجهنا للوزارات في الحكومة لمساعدتنا في بناء منشآت الحماية للقرية. قامت وزارة الإسكان بنشر مناقصة لبناء ملاجئ عمومية. توجهنا للوزارة وشرحنا لها أن ليس بمقدورنا المشاركة في المناقصة وطلبنا أن استبدال بناء الملاجئ العمومية ببناء ملاجئ في البنايات العامة القائمة والتي يمكن تمويلها. هناك قطيعة بين السلطة المركزية وبين السلطة المحلية".
"من الصعب جداً ترتيب سلم أولويات. من المستحيل تحقيق ميزانية معادلة. إنهم يجبروننا على العمل بميزانية فيها عجز. ليس هناك مجال أقتطع منه. خلال السنة الماضية قمت بتعزيز الخدمات ووقعت على عقود. والآن يتعين علي أن ألغي تلك العقود. وبصفتي سلطة محلية فإنني سأكون معرضة لدعاوى قضائية وغرامات.
"السكان يمارسون الضغط علينا. المشكلة باتت مضاعفة: فمن جهة واحدة فقدنا ميزانيات من الحكومة وليس بوسعنا التقدم والمشاركة في مناقصات تحتاج لإجراء موائمة، ومن جهة ثانية أقوم بوقف أعمال ضرورية لسكان قريتي".
مصدر الدخل الآخر للسلطة المحلية هو ضريبة المباني (الأرنونا)، لكن هذا المصدر أيضاً لا يخلو من الإشكاليات. "لدينا دخل من ضريبة المباني السكنية ونسبة ضئيلة من المباني التجارية. في أوقات الحرب لم يدفع السكان ضريبة المباني وهناك تراجع في الدخل. وهناك أشخاص تم تسريحهم من العمل وهناك أماكن عمل تم إغلاقها".
لا تتوقع أمية الحاج تحسناً في الأوضاع في المستقبل المنظور. "سوف يكون هناك عجز في ميزانيات جميع السلطات المحلية، وسف تكون الكثير من السلطات المحلية بحاجة على خطط إشفاء وتعيين محاسبين لمراقبتها". وبحسب معطيات نشرتها جمعية إنجاز التي تواكب أوضاع السلطات المحلية العربية، ففي عام 2020 كان هناك محاسب مراقب في 73% من السلطات المحلية العربية، وفي عام 2024 تم تعيين محاسبين مراقبين فقط في 65% من السلطات المحلية العربية.