سمحت محكمة العمل المركزية في تل أبيب بإقالة موظف عربي في شركة "كلاليت للهندسة" التابعة لشركة "كلاليت"، بعد أن نشر ثلاث آيات قرآنية باللغة العربية بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وهو ما يمكن تفسيره على أنه تحريض ضد دولة إسرائيل خلال الحرب.
وعمل الموظف كمهندس خدمات في قسم المختبرات في الشركة المسؤولة عن الدعم الفني في مستشفيات تابعة لمؤسسة "كلاليت". وقام بنشر الآيات كحالات على بروفايله والتي يشاهدها جميع معارفه وجهات الاتصال على تطبيق "الواتساب".
وقد كتب في المنشور الأول: " ولو يشاء الله لأنتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم" (سورة 47، الآية 5).
ونُشرت الآية مع تعليق مفاده أن الله قادر على عدم نصر "الكفار" حتى يهلك المسلمون معظمهم. لكن، بحسب التفسير، الله يختبر المؤمنين ليمتحن إيمانهم، حتى يقيموا فريضة الجهاد.
وجاء في المنشور الثاني: " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد" (سورة 11، الآية 103).
أما المنشور الثالث والذي تم رسمه بألوان العلم الفلسطيني، وتضمن اقتباسًا من كلام العلماء الدينيين البخاري ومسلم، واقتباسًا آخر من كتاب ابن تيمية "مجموع الفتاوي"، في إشارة إلى أن الأشخاص الذين يؤمنون بحبهم لبعضهم البعض يشبهون الجسد – أنه عندما يتألم جزء منه، يتفاعل الجسم كله بقلة النوم والحرارة.
وزعم أن "الكفار" المذكورين في منشوراته ليسوا يهوداً
عقب المنشورات، بعد نحو أسبوع من 7 أكتوبر/تشرين الأول، تلقت الشركة التي توظف الموظف استفسارات من الموظفين الذين شاهدوا المنشورات، وتوجهوا إلى جهة مهنية لغرض الحصول على تفسير وترجمة للمنشورات. وبعد ذلك قامت بالتحقيق مع الموظف من خلال ضابط أمن الشركة، ثم استدعته لجلسة استجواب تمهيداً لإقالته من العمل.
وأثناء جلسة الاستفسار والاستجواب ادعى الموظف أن "الكفار" المذكورين في منشوراته ليسوا يهوداً، وأنه نشر بعض المنشورات كدليل على التعاطف مع موت الأبرياء في غزة، وأن كل آية لها تفسيرات عديدة، وأن معنى كلمة "الجهاد"، والآيات بشكل عام، يُفهم بشكل مختلف بالنسبة للناطقين باللغة العربية والناطقين بالعبرية. كما ادعى أن هذه آيات من كتابه المقدس، ولا يمكن أن تشكل تحريضًا، ويجب الحفاظ على حقه في حرية العبادة وحرية الدين وحرية التعبير وحقه في العيش بكرامة. كما ذكر أنه يدين كافة أحداث 7 أكتوبر/تشرين أول.
ورغم كلامه، وبعد إجراء عدة اختبارات إضافية في الشركة، قررت الشركة إنهاء عمل الموظف، الذي استأنف على قرار الفصل أمام محكمة العمل المركزية على أساس أن إقالته كانت غير قانونية.
وفي إطار الإجراء القضائي حضر الخبير، البروفيسور تسفي ماندل من قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون نيابة عن الموظف، حيث أكد أن تفسير الموظف هو تفسير محتمل، وادعى أنه لا يوجد أي إشارة في المنشورات دعمًا للهجوم القاتل الذي تشنه حماس على المستوطنات الجنوبية. وبحسب قوله فإن إسناد المنشورات لدعم هذه الأعمال هو جزء من ظاهرة أوسع هي "أمن" اللغة العربية في إسرائيل، وهو ما يؤدي إلى أن كل منشور باللغة العربية يتم فحصه من خلال نظارات أمنية والاعتماد على خبراء من الأجهزة الأمنية وليس خبراء في اللغة والثقافة العربية.
ومثل أمامه بصفة خبراء روعي زائيفي، محاضر في اللغة العربية المحكية والإسلام، والذي يقدم خدمات لوزارة الدفاع ويعمل كمستشار خارجي للإدارة المدنية؛ ومعه ميخائيل كوبي، الذي شغل في السابق منصب رئيس تحقيقات الشاباك، ورئيس قسم تاريخ الشرق الأوسط وإفريقيا في جامعة تل أبيب، البروفيسور عوزي رابي، وقررا بشكل لا لبس فيه أن هذه المنشورات تحريضية كما يظهر من محتواها وتوقيت نشرها، بعد نحو أسبوع من أحداث 7 أكتوبر/تشرين أول. وأن الآيات التي نشرها الموظف، استخدمت من قبل عناصر معادية لدولة إسرائيل، بما في ذلك تنظيم حماس، لغرض التحريض ضدها.
ورفضت محكمة العمل المركزية في تل أبيب، بهيئة ترأستها القاضية كارين ليبر ليفين، هذا الادعاء وذكرت أنه نظرا للحساسية الكبيرة لدى الجمهور بعد حوالي أسبوع من أحداث 7 أكتوبر/تشرين أول، فقد وقعت أحداث صعبة أدت إلى خلاف كبير، فإن قرار الشركة بإنهاء توظيف الموظف يقع في نطاق المعقول والمنطق، سواء في ضوء أهمية المنشورات التي نشرها الموظف، أو في ضوء توقيت نشرها، أو في ضوء سلوك وتعامل الموظف الذي حاول التقليل من معناها، وتجنب ترجمة المنشورات بأكملها، ولم يقدم تفسيرًا مُقنعاً بشأن دوافع نشرها.
كما قررت المحكمة أن الشركة تصرفت بمعقولية كما هو متوقع من مُشغل عادي بعد تلقي شكاوى الموظفين بشأن المنشورات، وأن لصاحب العمل الحق في عدم قبول المنشورات التي يصدرها الموظف والتي تكون تحريضية وتجرح مشاعر الموظفين الآخرين. كما أوضحت المحكمة أن قرار إنهاء عمل الموظف اتخذ بناءً على اعتبارات واقعية لا تتعلق بأصل الموظف، بل بتصرفاته والمنشورات التي نشرها وتوقيت نشرها.
وأوضحت المحكمة أن للموظف الحق في التعبير عن التضامن والتماهي مع كل جانب حسبما يراه ويفهمه. مشكلة سلوك وتعامل الموظف تكمن في المنشور الذي لا يُعبر عن التضامن فحسب – بل يحتوي أيضًا على تفسير يدعو إلى حرب دينية للمؤمنين باسم إيمانهم بالله.
وشددت المحكمة على أهمية حرية التعبير وحرية الدين وحرية العبادة. وبالمقابل تطرقت المحكمة إلى سلوك الموظف عندما نشر الكلام بعد حوالي أسبوع من أحداث 7 أكتوبر/تشرين أول، حيث ثبت أن عناصر معادية لدولة إسرائيل بما في ذلك منظمة حماس، تستخدم هذه الآيات ذاتها، بهدف التحريض ضد دولة إسرائيل.
وبحسب المحكمة، فإن الموظف نفسه ربط المنشورات بأحداث 7 أكتوبر/تشرين أول والحرب التي اندلعت في قطاع غزة على إثرها، في المرحلة التي كانت الدولة فيها لا تزال تحصي قتلاها وتحاول إطلاق سراح مختطفيها. وبناء على ذلك، ذكر أنه من الممكن فهم أزمة الثقة التي تنشأ بين صاحب العمل والموظف.